ظلت ظاهرة وجود الخادمة في البيوت الجزائرية ولفترة طويلة مقتصرة على العائلات ميسورة الحال، لكن وبعد التغيرات التي طرأت على مجتمعنا، أصبحت الخادمة أكثر من ضرورة لدى البعض، في حين ظل البعض الآخر يستبعد الفكرة، وهناك من يرفض وجودها بشدة بل ويتوجس منها خيفة.
والكثير ممن التقتهم “الموعد اليومي” يرجعون ذلك لقيام بعض الخادمات بارتكاب جرائم مختلفة ومتفاوتة أهمها خيانة الأمانة، السحر، الشعوذة، العلاقات الجنسية المحرمة، السرقة وتعذيب الأطفال، وأبشعها جرائم القتل التي طالت الأطفال والشباب والمسنين.
يُعرف أن العائلات الراقية والسيدات العاملات هن الفئة الأكثر طلبا واستخداما للخادمات في بيوتهن، ومع ذلك منهن من تشتكي من بعض السلوكيات التي بدرت من خادمتها.
سرقة ونقل الأخبار من عقر الدار
وكمثال عن السيدات اللواتي لا يستغنين عن الخادمة، السيدة جميلة ببن عكنون أستاذة في جامعة بوزريعة، اضطرت إلى استقدام خادمة إلى بيتها بسبب انشغالها الدائم، خاصة وأن بيتها كبير وهي لا تملك الوقت الكافي للقيام بشؤونه، ومع ذلك فإن لها رأي في هذا الشأن، وأجابتنا مباشرة بعد سؤالها “رغم الاعتقاد السائد بأن الخادمة ضعيفة ومسكينة، ولكنها في الحقيقة تتمسكن حتى تتمكن، وتتوغل حتى تصبح هي مديرة المنزل الأولى، تديره حسب أهوائها الشخصية دون الرجوع لربة المنزل وذلك بسبب الاعتماد الكلي عليها، ثم نجد أنفسنا نحن النساء في النهاية مضطرات لقبول ذلك، حيث أن البحث عن خادمة مثالية يطول والحصول عليها مستحيل، وفي هذا الصدد أؤكد أن عائلتي الصغيرة لا غنى لها عن الخادمة لأنها صارت تعرف أكثر مني طباع كل واحد منها وكل ما يرغبون فيه ويأكلونه وإلى غير ذلك من التفاصيل”.
أما السيدة زهرة من أولاد موسى ورغم ثرائها إلا أنها ترفض تماما فكرة إحضار خادمة إلى بيتها، وهذا بسبب خوفها من أن تحوم هذه الخادمة حول زوجها وأبنائها العزاب وهذا لكثرة سماعها لبعض القصص من صديقاتها اللواتي اكتوين بنار الخادمات، حسب تعبيرها.
من جهتها، تقول حورية صاحبة ورشة خياطة بتيزي وزو “أرفض كليا فكرة وجود خادمة في البيت لأننا في مجتمع لا يملك ثقافة استحضار خادمة للبيت إلا في الضرورة القصوى وهذا بسبب انعدام الثقة وهذا ما وقفت عليه من خلال تجربتي، حيث أنني وقبل عامين عانيت من مرض في الجهاز الهضمي، وحالتي الصحية تدهورت جدا خاصة بعد خروجي من المستشفى، ما اضطرني للبحث عن خادمة تساعدني في عمل البيت، فوجدت كاتيا صاحبة 24 سنة متزوجة بدون أطفال وزوجها لا يعمل، كما أنني اطمأنت لها لأنها من القرية التي كنت أقطن فيها، فكرت فيها مباشرة ومنحتها كل حرية بيتي وحرية الوقت، لأتفاجأ بعد شهرين من وجودها في بيتي باستيلائها على مجوهراتي وسماعي بأنها تحكي للناس في الشارع شجاري اليومي مع زوجي”، أما السيدة خيرة فقد كان رأيها مغايرا، وأرجعت اللوم والعتاب على السيدات اللواتي يعتمدن اعتمادا كليا على الخادمات ويدخلهن إلى بيوتهن بشكل مبالغ فيه، حيث تقول: “تعتمد بعض النساء على الخادمة بشكل مبالغ فيه، فتتركها تهتم بزوجها وبأبنائها المراهقين والعزاب، وهذا خطأ كبير، فالخادمة تخدم البيت، أما القيام برعاية شؤون أفراد الأسرة، فهو من واجب الزوجة”.
“بيوت الناس صعبة والمعيشة واعرة”
تقول حسينة إحدى الخادمات “ظروفي الاجتماعية هي التي جعلتني أعمل في خدمة امرأة في عمر أمي، ونحن الخادمات نعيش معاناة حقيقية، فبالإضافة إلى تأخر صرف الراتب، تعرضت الكثيرات منا للضرب والإهانة والتحرش الجنسي”.
وتضيف أن الكثير من الخادمات يسعين للحصول على عمل آخر غير الخدمة في البيوت بسبب صعوبة العمل في بيوت الناس، والخادمات عموما مظلومات ويتعرضن للمعاملة السيئة ولكنني أعترف أن الأغلبية منهن تختلق المشاكل.
أما نادية فقد قالت إن الخدمة في بيوت الناس صعبة لأنها تدفعها إلى تحمل الكثير من الإهانات والتوبيخات أمام كامل أفراد الأسرة، خاصة التي تتعلق بحراستها بشكل مبالغ وكأنها لص يعيش معهم داخل البيت.
أما الآنسة فلة قالت إنها كانت تعمل في بيت أستاذة في المدرسة التي تعمل بها كمنظفة، وفي بادئ الأمر كانت الأمور عادية لكنها لاحظت أن ابن تلك المرأة يقوم ببعض السلوكيات التي لا ترضاها، لكنها خشيت من أن تخبر أمه فتتهمها وتطردها من العمل، لكنها لم تستطع الصبر أكثر، فاضطرت إلى ترك ذلك البيت مصممة ألا تعمل في أي بيت ثانية.
خادمات على طريقة المسلسلات الخليجية
ترى البعض من العاصميات أن الخادمة عنصر أساسي في البيت، خاصة عندما تكون المرأة عاملة أو يكون هناك شخص مريض وكبير في السن، وفي هذا السياق تقول السيدة حليمة: “عمل الخادمة عمل جليل لأنها تقدم الخدمة والمساعدة للغير، كما أن الخادمة أصبحت ضرورة خصوصاً بالنسبة للمرأة العاملة”، -إلا أنها- كما تضيف “انتقد المباهاة والمبالغة بالخدم، عند العائلات المرموقة من المجتمع الجزائري خاصة في الأحياء المعروفة بالثراء كحيدرة والقولف وبن عكنون في العاصمة، فتلك تمشي بالسوق وخلفها خادمة أو خادمتان لتسلية طفلها الرضيع، وأخرى تذهب للمطعم مع زوجها لتجلس الخادمة على الطاولة المقاربة، وكأن المشهد من مسلسل خليجي حيث تكثر الظاهرة، فهل أصبحت الخادمة حالياً من الكماليات ومظاهر الترف؟
الأستاذ “عبد الكريم. ص” مختص في علم الاجتماع:
الظاهرة نتاج تغلب المظاهر على أفراد المجتمع
حول هذه النقطة، أفاد المختص الاجتماعي عبد الكريم. ص بأن النقاش لا يدور حول المرأة التي تكون بحاجة ماسة إلى خادمة لمساعدتها أو لخدمة شخص مريض أو مسن، فذلك معقول ومطلوب، لكن ما نراه حالياً من البعض وليس الكل من نساء الطبقة المرموقة أو النساء العاملات من الجزائريات من اعتبار الخادمة من الضروريات التي لابد منها، فهي تجلب الخادمة حتى وإن كانت ربة منزل ولا تعمل، والكثير من النساء تشترط خادمة بمواصفات معينة بالرغم من أن تكاليف استقدامها أغلى.
كما أضاف عبد الكريم من المواقف الطريفة التي تعكس حالة الترف التي وصلت إليها بعض النساء، أن أحد الأصدقاء حكى له عن زوجة وزوجها طلبا منه البحث عن خادمة مثقفة وفعلاً كان له ما طلب وهي خادمة هادئة ومتعلمة، جلست الزوجة معها وسألتها عدة أسئلة ثم جاءت لزوجها وقالت: إنها مثقفة ولكنها غير جميلة.
الشيخ الهاشمي عبد الكريم: “لا إشكال شرعي في وجود الخادمة في البيت ولكن الإشكال يكون في نوعيتها”
يقول الشيخ والإمام الأستاذ الجامعي الهاشمي.عبد الكريم الذي، توجهنا إليه لمعرفة أهم الأحكام الشرعية حول وجود الخادمة في البيت وحول زيادة عدد الخدم في البيت الواحد والآثار المترتبة من الاتكال عليها، فأجاب: لا إشكال شرعي في وجود الخادمة في البيت، فقد كانت فضة- رضوان الله عليها- خادمة في بيت السيدة فاطمة الزهراء – كما كان في بيت رسول لله خدم، ولكن الإشكال قد يكون في نوعية الخادمة كما لو كانت غير مسلمة أو غير ملتزمة بأحكام الشرع والأخلاق والآداب الإسلامية. كما ينبغي مراعاة الأسس الأخلاقية والتربوية عند تحديد المسؤوليات والصلاحيات الممنوحة للخادمة، فمن غير المستحسن إلقاء كل المسؤولية على الخادمة وخاصة تربية الأطفال، فهذا من شأنه جلب مشاكل كثيرة، أما فيما يخص عدد الخدم الزائد في البيت الواحد فإنه جائز شرعاً شريطة ألا يقع الإسراف والتبذير وألا تكون الزيادة على حساب القيم والأخلاق، وأنا أنصح بمراقبة الخدم مراقبة دقيقة.
ق. م