الخطاب الديني بالجزائر … مخاضات عسيرة في مواجهة التيارات المذهبية الجارفة

الخطاب الديني بالجزائر … مخاضات عسيرة في مواجهة التيارات المذهبية الجارفة

المؤسسة العسكرية وحدها تواجه التحديات والمخاطر

 

خطابات تدعو لتخريب الأوطان من الداخل بتحريض خارجي

 

بن شريط: الخطاب الديني يتعرض لمحاولات اختراق لإفساد المجتمع الجزائري

 

ميزاب: فتح المساجد أمام المؤسسات الأمنية خطوة مهمة في محاربة التطرف

 

فلاحي: المنظومة السلفية مستفيدة مما يجري وتكوين الأئمة ضرورة ملحة

 

شهد الخطاب الديني بالجزائر مخاضات عسيرة في مواجهة الإرهاب والتطرف  بكل أشكاله ولاسيما التطرف العنيف الذي تشتكي منه المجتمعات العربية والإسلامية في ظل تزايد الداعين لهذا النوع من العنف وممارسيه بشكل خطير حيث أصبحوا يجدون في الحراك الاجتماعي للشارع فرصة مواتية لنفث سمومهم وأفكارهم الايديولوجية بهدف إيجاد حالة لا استقرار تحت مسميات مختلفة ظاهرها التغير والانتقال الديمقراطي والربيع العربي وباطنها ضرب استقرار البنية التحتية للمجتمع بكل مكوناته وأطيافه بعيدا عن التسامح والتقارب والتضامن وطرح البدائل وإيجاد الحلول للمشاكل والمطبات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها .

 

* الخطابات الدينية الشكلية لا يمكن لها أن تتصدى للفتن وتخريب الأوطان

ويطرح المتتبعون للشأن الداخلي بالجزائر علامات استفهام كثيرة حول مدى فاعلية الخطاب الديني والمسجدي عموما الذي  يتعرض لانتقادات عديدة باعتباره أصبح  شبه جامد ولا يتحرك إلا قليلا وأحيانا بإيعاز خاصة عند حدوث الأزمات والحوادث على غرار تلك التي حدثت ببعض الولايات  مؤخرا، مكتفيا ببعض الخطابات الشكلية الجوفاء التي لا تعالج الصميم ولا تدعو إلى رجاحة العقل والحرية وإلى مبادرات ينزل بها إلى الشارع لتفعيل مبدأ التحسيس الجواري وإقناع العامة والخاصة  بعدم الانجراف وراء الفتن والخطابات الداعية لتخريب الأوطان من الداخل بتحريض خارجي…

ويشدد خبراء ومحللون سألتهم الموعد اليومي بأن رجل الدين يجب أن يقف مع رجل الأمن في الميدان لمحاربة الإرهاب والتطرف العنيف، بالضبط كما يفعل ميدانيا في إدارة الحملات التحسيسية وشرح المفاهيم للحد من إرهاب الطرقات الذي ما يزال يحصد العشرات والعشرات من الابرياء، مثمنين المبادرات الأخيرة التي فعّلت من خلال فتح المساجد للمصالح الأمنية والأساتذة لمحاربة بعض الظواهر الاجتماعية المشينة داخل المجتمع.

 

* تكيف الخطاب الديني ضرورة ملحة لمكافحة التطرف العنيف

وأكد أحمد ميزاب الخبير الأمني في القضايا الاستراتيجية بأن المقاربة الجزائرية في مكافحة الارهاب والتطرف العنيف عليها أن تكيف الخطاب الديني الذي ينبغي عليه أن يكون خطابا معالجا ومشخصا وينطلق من آليات ويصل إلى الحلول للعديد من المشاكل التي يعاني منها المجتمع بعيدا عن خطاب الكلمات المنقحة الذي يناقش حواشي القضايا .

ويرى أحمد ميزاب في تصريح لـ”الموعد اليومي” بأن الخطاب الديني بالجزائر ما زال لم يبلغ مرحلة ما يتكيف فيها مع الواقع المعاش بدليل أنه كان ولا زال ينتظر حدوث الازمات كي يتحرك خاصة في هذه المرحلة الحساسة بالذات حيث أصبح الناس يسقطون كثيرا في التطرف بسهولة من منطلقات شكلية وخطابات تسوق في الفضاء الازرق حيث يأخذون ويتبنون أفكارا غير سليمة .

وأوضح المتحدث بأن المسجد أو رجل الدين عموما هو بمثابة جرس إنذار لأنه ببساطة يتحسس أفكار المجتمع ويتلقف الأفكار السلبية ويمكن من خلالها أن يقوم بعلاجها قبل أن تتفاقم أكثر فأكثر ويصعب تفكيكها وبالتالي اليوم -يضيف محدثنا- نحن محتاجون إلى تكييف وإضفاء نوع من المرونة على الخطاب الديني المعتدل الذي يقدر حجم القضايا والوصفة الطبية اللازمة لأي طارئ قد يتهدد البلاد والعباد .

كما أوضح المتحدث بأن فتح المساجد أمام المؤسسات الأمنية والأساتذة التي أصبحنا نشاهدها مؤخرا من حين لآخر ظاهرة صحية يجب أن تثمن وتدعم باعتبارها خطوة جيدة ولهذا نحتاج من رجل الدين الذي يقف مع رجل الشرطة في الميدان للتحسيس بخطورة حوادث المرور أن يقف معه كذلك في محاربة التطرف والإرهاب وكل ما من شأنه تهديد الجزائر في أمنها واستقرارها .

وشدد المتحدث ذاته بأن الجزائر تملك كل الإمكانات والمقومات لذلك وبأن تقف صامدة في مواجهة الإرهاب والتطرف العنيف خاصة وأنها مدركة ومتحسسة للخطر شريطة أن يلعب الخطاب المسجدي دوره المنوط به ضمن جزء لا يتجزأ من المقاربة الكلية لمحاربة الظواهر المشينة التي تهدد الجزائر في عمقها الاستراتيجي.

 

* الخطاب الديني يتعرض لمحاولات اختراق من تيارات  مذهبية متشددة

من جهته أطلق الدكتور بن شريط عبد الرحمان الخبير في الفلسفة السياسية، إشارات إنذار كون أن الخطاب الديني بالجزائر أصبح يتعرض لمحاولات اختراق عديدة من بعض الجهات التي تحاول إفساد المجتمع الجزائري وبالضبط مذهبه المالكي في ظل كثرة التيارات الجارفة .

وقال الدكتور بن شريط في تصريح لـ “الموعد اليومي” بأن الخطاب الديني في بلادنا قابل للتحيين والتطوير حيث يحتاج فقط إلى بذل مزيد من المجهود وتحسين قدرة الائمة وظروفهم في إطار المذهب المالكي لمواجهة التيارات السلفية المتشددة، الشيء الذي يتطلب كذلك سلطة تعمل على إصلاح هذا الخطاب دون وصاية أو تقييد وبعيدا عن التسييس.

وأوضح المتحدث بأن الخطاب الديني هو مرهون حاليا بالمسجد والوزارة المكلفة أي أن هناك خطابا دينيا رسميا وغير رسمي في ظل اختلاف وطريقة معالجة المشاكل التي تواجه المجتمع، مضيفا أن الخطاب المذكور ولله الحمد هو يميل نحو البعد عن التطرف ويحاول تجنيب الفتن وتقريب المسافات رغم أنه لم يصل إلى هدفه خاصة مع عزوف الكثيرين عن الدين .

 

* لدينا مشايخ وعلماء أكفاء بإمكانهم تحصين الجزائر وتحقيق الأمن الديني

وأكد قسول جلول إمام مسجد القدس بحيدرة بأن الجزائر تحتاج إلى خطاب ديني إيجابي يقدم الأفكار النيرة ويعالج القضايا الآنية، وبالتالي فإن الأئمة مطالبون أكثر بالترغيب والواقعية على اختلاف خطبهم ومناطقهم لمواجهة المشاكل والحوادث التي تقع هنا وهناك، مذكرا بأن البلاد تملك خزانا هائلا من المشايخ والعلماء الاجلاء المتشبعين بالمرجعية الدينية والوطنية ولديهم تجارب وفقه لا بأس به يستطعون من خلاله تحصين الجزائر وتحقيق الأمن الديني .

ويرى الاستاذ والإمام قسول جلول في تصريح لـ “الموعد اليومي” بأن “الجزائر تملك خطابا دينيا ومسجديا واحدا بشكل عام خصوصا وأنه ولله الحمد والمنة ليس لديه في تركيبة مجتمعه نحل وتيارات مختلفة كالتي هي موجودة في كثير من الدول العربية التي لديها عدة خطابات متنوعة”.

وشدد المتحدث بأن الخطاب الديني كان وما يزال رغم كل ما يقال القلب النابض وصمام أمان لصلابة المجتمع والدليل على ذلك أنه ولا حزب ولا جامعة ولا مؤسسة تستطيع أن تجمع الناس في أسبوع كما يفعله المسجد وبالتالي هذا التناغم والحركية يؤديان حتما للاجتهاد أكثر في تصحيح المفاهيم وإبعاد الناس عن الأفكار الخاطئة. كما شدد المتحدث بأن المسجد سيظل مركز إشعاع حضاري واجتماعي وثقافي وروحي وهمزة وصل بين العباد وربهم بالمرافقة والموضوعية والعقلانية في التعاطي مع الظواهر السلبية الهدامة.

 

* المنظومة السلفية مستفيدة مما يجري وتكوين الأئمة ضرورة ملحة

في الإطار نفسه دعا عدة فلاحي المستشار السابق بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف إلى إعادة النظر بشكل كلي في تكوين الائمة ورجال الدين للارتقاء بالخطاب الديني لمواجهة من سماهم أعداء الداخل والخارج من يتربصون بأمن الجزائر، مشيرا بأنه يجب أن يكون هناك تكامل وتجانس بين جميع المؤسسات في البلاد لتحقيق الأمن التربوي والفكري والاجتماعي والاقتصادي .

ويعتقد عدة فلاحي بأن الخطاب الديني بالجزائر يعكس حالة التخبط الذي تعيشه وزارة الشؤون الدينية والأوقاف على حد تعبيره التي هي نفسها -بحسبه- غير راضية عنه تماما بدليل تصريحات الوزير شخصيا الذي دعا في الكثير من المناسبات إلى الارتقاء بهذا الخطاب والانتقال به من حالة إلى حالة أخرى أكثر واقعية وفعالية .

ويرى فلاحي بأن أول إجراء لتقوية الخطاب الديني بالجزائر هو ضرورة إعادة النظر في منظومة التكوين التي تعتمد حاليا على الحفظ فقط وهو الأمر الذي يخدم المنظومة السلفية التي تعتمد على التلقين، الأمر الذي أضعف المرجعية الدينية التي أصبحت في الحقيقة لا تقدر على مواجهة التيارات المتشددة والجارفة.

واستطرد المتحدث بالقول إن الدولة حينما تعطي تعليمات للمساجد ولا يتم ترجمة المراسلات في الميدان بأسرع وقت كاف لمعالجة القضايا في ظل عدم الادراك بالتحديات والمشاكل خاصة وأن رجل الدين غير قادر بحكم تكوينه الذي يعتمد على الحفظ، هنا الأمر يدعو إلى فتح نقاش مستفيض. وتابع المتحدث بالقول إن الوزارة تبعث برقيات تسميها برقيات عاجلة لمواجهة الأحداث الأخيرة ولا يتم التحرك إلا في الوقت بدل الضائع، هنا يجب طرح العديد من الاستفهامات خاصة حول قدرة وأهلية من أداروا العملية..

 

* المال أصبح يحرك الناس من وراء البحر..

عدة فلاحي في طرحه ذهب أبعد من ذلك حينما قال بالحرف الواحد “ليس لدينا أسماء تشكل ثقلا لمواجهة التحديات”، مضيفا في بعض الحالات نضطر للدفاع عن المرجعية الدينية بشكل عاطفي فقط” مسترسلا بالقول “المجتمع يحتاج من يحتك به ويخالطه ويتفاعل معه في الميدان كي يتجاوب معه ويقف معه أمام المشاكل، محدثنا قال بأن المال أصبح يحرك الناس من وراء البحار في عصر العولمة، مرجحا فرضية تدخل جهات أجنبية فيما يحدث من حين لآخر بالجزائر.

حازم.ز