تجول.. تجوب شوارع المدينة.. لا تأبه لأي مكروه.. كيف وقد تعودت ذلك الظلام الموحش وسكون الليل المخيف.. تصارع ليالي الشتاء البارد.. هناك تحت ذلك النفق المظلم أحست عائشة خفق نعال خُيل لها أنها جيوش من العفاريت تدنو منها.. ليبدأ قلبها الضعيف بالخفقان بسرعة يكاد يتوقف لها.. . وركبتاها النحيلتين تصطك ببعضها. حاولت الفرار بجسدها لكن كيف؟ وقد وهنت قواها وأخذ الروع منها مأخذه.. وصوت النعال يقترب شيئا فشيئا نحوها.. راحت تهذي هذيان المريض المحمى “لا.. لا.. أرجوكم لا تأخذوني أنا أخافكم”.. ثم هوت إلى الأرض مغميا عليها.. ما لبثت أن استفاقت من غيبوبتها لتشعر بشيء يلمسها.. فتحت عينيها لتجد أمامها أخاها فريد يحمل في يده بعض الطعام وحزمة من الحطب لعله يكفي لبرد هذه الليلة، وقد أهلكه التعب من السير في شوارع وأزقة المدينة بحثا عن الطعام، مرددا نفس العبارة: “عاونوني في سبيل الله”.. مستعطفا بها المارة..
هكذا تناول فريد واخته ما كتب الله لهما من رزق تحت وميض تلك النار التي لا تكاد تدفئ حتى نفسها.. ينتظران ماذا كتب لهما القدر في اليوم التالي بين رضا على قدر الله وسخط على حياة الدرك والشقاء .
مصطفى.ب -النعامة-