تعرف حوادث المرور منحى تصاعديا خطيرا في الجزائر بعد أن بلغ عدد ضحايا إرهاب الطرقات أرقاما تنذر بخطورة الوضع، وهو ما يثبته احتلال الجزائر مراكز متقدمة في الترتيب العالمي
والعربي من حيث عدد الوفيات في حوادث المرور، إذ يقع في كل 20 دقيقة حادث، وقتيل في كل 3 ساعات، كما بلغت الخسائر المادية المسجلة بسبب هذه الحوادث أزيد من 100 مليار دينار.
حوادث المرور.. قاتل الجزائريين
أرجع المختصون أسباب تزايد حوادث المرور بالدرجة الأولى إلى الإفراط في السرعة وارتكاب المخالفات المرورية، وهو ما بات يهدد حياة الأفراد وصحتهم التي صارت مهددة ومعرضة للإصابة بإعاقات تتفاوت خطورتها بين فقدان الضحية لأحد أعضائه أو بقائه جليس الكرسي المتحرك.
السائق.. المتهم الأول
ومع ذلك لا يمكن بأي حال من الأحوال تحميل مسؤولية حوادث المرور للسائق وحده، الذي يجد نفسه في مواجهة يومية مع تجاوزات الراجلين، وهو ما أخذه قانون المرور الجديد بعين الإعتبار، حيث فرض عقوبات وغرامات على الراجلين الذين لا يحترمون ولا يتقيدون بالقانون.
الراجلون ملزمون باحترام القانون أيضا
ويتساءل الكثيرون عن مدى فعالية وجدوى مثل هذا الإجراء، وعن دوره في الحد من حوادث المرور، قامت “الموعد اليومي” باستطلاع رأي المواطن الجزائري، أول من تحدثنا إليه فريد، 40 سنة عامل في مؤسسة عمومية، قال عن القانون الجديد: “يتسبب الراجلون في كثير من الأحيان في فقدان السائق لتركيزه ما يجعله يفقد السيطرة على المقود الذي قد ينجم عنه حوادث مرور أليمة، لأن المارة لا يحترمون إشارات المرور، خاصة المكان المخصص لقطع الطريق، ففي أغلب الحالات يقوم المارة بالإجتياز العشوائي رغم وجود الإشارات الضوئية والممرات الخاصة بالراجلين وكأنها ليست بتلك الأهمية التي نعرفها”.
وأضاف فريد قائلا: “يلوم المارة السائق على عدم احترامه قانون المرور، في حين لا يلتزمون هم بأبجديات قطع الطريق، فالقوانين لا تخصّ الجالس وراء المقود فقط، بل المارة أيضا معنيون بها، وأتذكر أنه منذ سنتين تقريبا احتج سكان “موحوس” ببرج الكيفان على غياب جسر لعبور الطريق بعد وفاة أحد السكان بحادث مرور صدمته سيارة وقت الإفطار في رمضان، وبعد أن أخذت السلطات المحلية هذا المطلب بعين الإعتبار و شيّدت جسرا في نفس مكان الحادث، أصبح غير مستعمل لأن المارة لا يستعملونه أبدا وعندما تسألهم عن السبب يجيبون أنها مسألة تعوّد لا غير ورغم أنها عادة خاطئة هم يصرون عليها”.
عقوبة الراجلين أمر إيجابي
رابح مدير سابق لمدرسة ابتدائية يقول: “أظن أن تشديد العقوبات ضد المارة أو الراجلين المخالفين للإشارات الضوئية هو أمر إيجابي، سيأتي بنتائجه الإيجابية، فالمسألة ليست مجرد عقوبات وغرامات بل هي تربية جيل كامل على احترام قانون المرور، ولعلّ ما نراه من حوادث مميتة هو حقيقة صريحة عن غياب التربية المرورية وسط السائقين والراجلين، لذلك لا بد من إعطاء هذا الجانب أهمية أكبر بتدريسها في المدارس للأطفال الصغار حتى يتعرفوا على القوانين ويحترموها منذ الصغر”.
وأضاف ذات المتحدث أن “تشديد العقوبات ضد المارة و الراجلين جاء كمحاولة لخفض نسبة الحوادث في الطرقات الجزائرية التي جعلت الجزائر مثالا حيا عما يمكن لإرهاب الطرقات إحداثه، فإلى جانب الوفيات التي تعد بالمئات سنويا هناك أيضا العاهات والإعاقة المستديمة إضافة إلى فقدان الأسر لأحد أفرادها أو أكثر، فالآثار المدمرة كما هي مادية هي أيضا نفسية واجتماعية، لذلك وجب اتخاذ كل الإجراءات اللازمة للحد من هذه الظاهرة الخطيرة التي تفشت وسط شبابنا الذين جعلوا من الطريق السريع لعبة، السرعة أساس التنافس فيها”.
القانون في مواجهة الفوضى والعشوائية
من جهتها، قالت صبيحة، 30 سنة، موظفة في مؤسسة خاصة: “لابد من ردع الراجلين وإجبارهم على تنظيم سيرهم لا سيما القواعد المتعلقة بعدم استعمال الممرات المحمية، من أجل الحد من حوادث المرور، فالجزائري تعوّد على الفوضى والعشوائية فأينما أراد يسير وكيفما يحب يقود السيارة غير آبه بالقوانين أو بالمخالفات، لعلّ الإحصائيات المخيفة لحوادث المرور خير دليل على ذلك، فرغم التجديد الذي يعرفه قانون المرور في كل مرة خاصة فيما يتعلق بالعقوبات والغرامات، إلا أن الأمر لم يتجاوز الورق الذي كتب عليه”.
وأضافت صبيحة قائلة: “علينا أن نحارب ظاهرة إرهاب الطرقات من جذورها، ليس فقط برفع مدة السجن أو قيمة الغرامة لأنها لن تؤدي الدور الذي وضعت من أجله، لذلك علينا أن نحارب الرشوة بأن يكون الجميع خاضعا لسلطة القانون، فمنذ أيام فقط سحب الدرك الوطني رخصة السياقة من زميلي في العمل بسبب مخالفة خطيرة قام بها في الطريق السريع، ولكنه استطاع استرجاعه في أقل من أربعة وعشرين ساعة، وهذا ما أقصده بـ “المعريفة والرشوة” التي يجب محاربتها لأن وجود قانون رادع وأمن ودرك وطني يقوم بمهمته على أكمل وجه لن تكون له آثار إيجابية في غياب النزاهة والتربية المرورية السليمة سواء كان ذلك لدى السائق أو المشاة”.
حكيمة، موظفة بمؤسسة خاصة، تتنقل يوميا من مقر سكناها الكائن بحي باب الزوار إلى مقر عملها بـوسط العاصمة، قالت: “أعيش يوميا ضغطا نفسيا كبيرا بسبب المواقف الصعبة التي أجد نفسي فيها بسبب الراجلين غير المبالين بالإشارات المرورية، فتجدهم يعبرون الطريق في أي مكان حتى وإن كان في الطريق السريع، وعندما تصرخ أو تطلق عنان منبه السيارة تراه يتذمر ويشير إليك أنك السائق ويجب أن تأخذ احتياطاتك، وفي بعض الأحيان تجد نفسك أمام طفل صغير يرسله والده يعبر الطريق لوحده رغم أن سنّه لا يتجاوز الأربع سنوات، وهنا تقع المسؤولية على الأولياء الذين لا يأبهون لسلامة أبنائهم، وحتى وإن وقع حادث مميت يكون السائق دائما المتهم الأول وهذا غير منطقي لأن الراجل في كثير من الأحيان يكون وراء تشتيت انتباه السائق”.
لمياء. ب