تشرّف المسرح الوطني الجزائري محي الدين بشطارزي، أول أمس، بافتتاح قاعة المحاضرات على اسم أحد أعمدة المسرح الجزائري امحمد بن قطاف.
وقال مدير المسرح الوطني، محمد يحياوي، في كلمته الإفتتاحية “إنه فضاء بن قطاف في بيت بشطارزي”، مذكرا بسيرة ابن حي “حسين داي” الذي كان يحلم بأن يصبح مغنيا، لكن لقاءه مع “محمد ونيش” أحد أعمدة
المسرح الإذاعي آنذاك، غيّر مسار حياته، مردفا أن “الدافع وراء تدشين فضاء بن قطاف، وإحياء فكره، حبه، جنونه بالمسرح وإيمانه بشباب لطالما أعطاه الفرص”.
واسترجع ذات المسؤول مقولة بن قطاف الخالدة التي تعتبر دستورا ومنهجا ونصيحة لأحد عمالقة المسرح الجزائري، إذ قال “من أراد أن يعيش بالمسرح، فما عليه إلا أن يعطيه بعض الوقت والجهد، ومن أراد أن يعيش للمسرح، فليمنحه حياته كلها”، مثمنا جهود الفقيد الذي خلف 85 عملا مسرحيا.
الدكتور ثليلاني: أعمال المسرح الثوري قامت بالتوعية والتحريض ضد المستعمر
وكانت أول مداخلة بعد ذلك، للدكتور أحسن ثليلاني، كاتب، باحث ومترجم من جامعة سكيكدة، تحت عنوان “من الإرهاص بالمقاومة إلى الالتزام بالثورة”، الذي انطلق في طرحه من كتابيه، “المسرح الجزائري والثورة الجزائرية” ومؤلفه الثاني “الثورة الجزائرية في المسرح العربي، مأساة جميلة”، الذي نال جائزة مصطفى كاتب.
وقارن الدكتور بين ثورة الجزائر و”ثورات الربيع العربي” التي قال إنها ليست ثورات بقدر ما هي “حركات إصلاحيةّ”.
وأوضح الدكتور ثليلاني، أن أعمال المسرح الثوري، قامت بالتوعية، التحريض، ومقاومة المستعمر، ما جعل جبهة التحرير الوطني تنتبه لأهمية الفن، فأنشأت فرقتها الوطنية في تونس بقيادة مصطفى كاتب وكانت خير سفير للثورة، مذكرا بأهم كتّاب المسرح الجزائري، على غرار عبد الله الركيبي بالعربية، كاتب ياسين بالفرنسية ومصطفى لشرف.
وقال الدكتور “إن من مميزات المسرح الجزائري، أن المسرح الثوري الجزائري قليل الإنتاج، كثير التأثير، تفاؤلي، واقعي”.
كما عرج المتحدث على موضوع المسرح الإذاعي وأعمدته على غرار صالح خرفي “الذي كتب العديد من الأعمال”..، مذكرا بالشهيد، محمد الثوري، الذي توفي في بيته متأثرا بالتعذيب، ليختم ثليلاني كلمته بالقول:”من قبل الميلاد إلى يومنا هذا الثورة أعظم شيء أداه الجزائريون”.
العامري: رايس هو كاتب الثورة الجزائرية
وكانت المداخلة الثانية للممثل المسرحي والسينمائي، الطاهر العامري، المدعو “عبد الرحمان بسطانجي”، الذي تحدث عن جبهة التحرير سنة 1956 بتوقيف كل النشاطات الثقافية والفنية، ثم اتخاذ الأحداث الدولية من حروب ونزاعات منحى سياسي دبلوماسي، وخلق فرنسا نشاط فني بقاعة ابن خلدون وحتى مؤتمر الصومام الذي أولى اهتماما بالغا للثقافة بمختلف أشكالها، ما جعلها تؤسس فرقة مسرحية تابعة لها”.
وقال العامري “لقد قدمنا عدة عروض من بينها “نحو النور” وكنا مع أساتذة كبار أمثال مصطفى كاتب، عبد الحليم رايس، حسن الشافعي، وحين ألف عبد الحليم رايس “أبناء القصبة” فاجأنا حيث أحيا نشاطنا وأعطانا دفعا وطاقة للمواصلة، وقد قدمناها سنة 1959 بتونس وكان لها وقع كبير حتى أن إحدى النساء كادت تلقي بنفسها من الشرفة تأثرا بالمشاهد الثورية لولا انتباه الحضور لها، كما قدمناها في ليبيا، المغرب والعراق”.
وأضاف “بسطانجي” قائلا أن “عبد الحليم هو كاتب الثورة الجزائرية، فقد ألّف دم الأحرار والخالدون.. فكانت له ما أطلق عليه “ثلاثية” شملت نضال الجزائر في المدينة والجبال والصحراء”.
الجبهة تناديك
وتدخل الأستاذ، طاهر بن أحمد، موسيقي وملحن، في مداخلة بعنوان “دور الفن في الثورة التحريرية”، حيث قال “كنت سنة 1957 أمسك آلة العود وأنا أستعد لتقديم عرضي إلى أن ناداني أحدهم باسمي وقال لي الجبهة تناديك، وكان ذلك الشخص المرحوم بودية، وقد أعطاني 5 فرنكات وأمرني بالسفر مباشرة إلى بروكسل، في المحطة التقيت بسيد علي كويرات، عليلو، بولعوينات ولم يخبر أحدهم الآخر عن وجهته، وفي بونة التقينا عبد الحفيظ كرامان ثم انتقلنا إلى روما، فتونس أين التقينا بمصطفى كاتب وبوعلام رايس سحنون والهادي رجب، فكانت الفرقة تتكون من 35 عضوا وأمضينا 3 أشهر في التدريب، وطفنا بليبيا، تونس، المغرب، يوغوسلافيا، الصين، روسيا، بغداد وقبلها ألمانيا واليونان، وحين سمعنا عن استشهاد حسيسن تأثرنا كثيرا”.
وأضاف الطاهر قائلا: “كنا 35 لكننا كنا رجلا واحدا، وقد أثبتنا أن الجزائر هوية وثقافة ودين، أثبتنا أن للجزائر كرامتها”.
رابية: مسرح المقاومة كانت له علاقة بالأحزاب السياسية
أما الممثل المسرحي، عبد الحميد رابيا، فأشار إلى أن “مسرح المقاومة كانت له علاقة بالأحزاب السياسية ويعود وجوده إلى الأمير خالد، حين أمر المبدعين بأن يكونوا سلاحا ووسيلة لبعث الأفكار التوعوية والوطنية، معرجا على نشأة المسرح الشعبي من خلال مسرحية جحا لعلالو، ثم ذكر مساعدة مختلف المسؤولين السياسيين للفنون ودعمهم المسرح، مشيرا إلى أن أول من نبّه إلى أهمية المسرح سياسيا، هو وزير الخارجية الجزائري آنذاك، محمد صديق بن يحيى الذي توفي على متن طائرة “مرتين” ـ كانت الأولى عند سقوط طائرة وقد نجا منها وأما الحادث الثاني فلم يخطئه ـ فـ “كان أول من وصف المسرح بـ “الدبلوماسية الشعبية”.
كما ثمن رابية جهود عمالقة المسرح الجزائري أمثال كاكي، رويشد، آسيا جبار، وذكر بأن أول ما تم تأميمه في 8 جانفي 1963 بفضل الرئيس أحمد بن بلة هو “هذا المسرح الذي كان ممنوعا على الجزائريين”.
كما تشرّف الحضور بسماع كلمة، الفنان المطرب والمسرحي إبان الثورة، الهادي رجب، الذي قال “كنت أود الإلتحاق بصفوف الثورة لكنني كنت صغيرا، فأمروني بالالتحاق بهذا النضال من خلال الفن، فعملت مع أحمد وهبي ومحمد بوزيدي رحمهم الله”.