“الراي العالمي هو من أنصف الشعر العامي”

“الراي العالمي هو من أنصف الشعر العامي”

قال الكاتب سعيد خطيبي “إن الشّعر الملحون العامي في ظلّ الصراع اللغوي، بين العربية والفرنسية، كان يكبر، في الأرياف وفي القرى، والمناطق الجنوبية، فكان الشّعراء يدوّنون الحياة الجزائرية بقصائد، فيكتبون عن الحب وعن الخسارات، ينطقون بما في صدورهم في لحظات عابرة، ما أدى إلى ضياع الكثير من الشعر الملحون، ولم يتبق منه إلا القليل، ولم ينل أولئك الشعراء مكسبا من نصوصهم، فكثير منهم عاشوا في الفقر والحرمان وماتوا في النسيان، وجاء بعدهم شباب، أعادوا تدوير تلك القصائد، وجعلوا منها كلمات لأغنية الراي، التي ستطير بهم إلى بقاع بعيدة، وتجعل منهم نجوما، في الجزائر وخارجها”.

 وأضاف خطيبي في تصريح لـ “الموعد اليومي”، “إن السنوات الأولى من استقلال الجزائر شهدت عودة بارزة للمكونات الثقافية الشعبية، لكنها اصطدمت مع أنصار الآداب الكلاسيكية المكتوبة بالعربية الفصحى، وعانى الشّعر الملحون طويلا، حيث لم يجد مكانا له في دوائر الاهتمامات الأكاديمية والإعلامية، واستمر الحال كذلك حوالي ثلاثين عاما، فقد كان الشعر الملحون، بالنسبة للكثير، مصنفا في خانة أقل شأناً من الشعر المكتوب بالعربية الفصحى، وكان البعض ينظر إليه باعتباره شعرا “فاقدا لوعي الكتابة”، بل هناك من ذهب إلى الإعتقاد أن الدفاع عن الشعر الملحون يعني ضمنيا الدفاع عن اللهجات المحلية.. لكنها صارت محركا لتطور الشعر بالعامية، وأصبح قاعدة أساسية تنطلق منها أغاني نجوم موسيقى الراي، الذين يملأون العالم فرحا وصخبا”.

وتابع سعيد قائلا: “مع مطلع سبعينات القرن العشرين، لم يكن مغنو الراي يعتمدون على “كاتب كلمات”، فهذه الوظيفة لم تُستحدث سوى في العشرين سنة الماضية، بل كانوا يرددون نصوصا مقتبسة من الشعر الملحون، على غرار القصيدة الشهيرة “المَرسمْ” للشيخ الميلود من مدينة بوحنيفية، غرب الجزائر، التي جاء في مطلعها “يا ذا المرسم عيد لي ما كان وين اللي المرو اللي قبيل هنا/نيبتك بحديث لفظ اللسان بكوش أبكم ما تواجبنا/يا ذا المرسم زدت لي تشطان فيك أنا والريم جمعنا/من عهدك ما ريتها بأعيان حجروا يمينة الحبنانة..”، فهذه القصيدة صنعت نجومية الشاب مامي عام 1982، واستعادها الشاب خالد عام 2009”.

وأردف صاحب رواية “أربعون عاما في انتظار ايزابيل” أن “الشّيخ الميلود ليس الشاعر المجهول الوحيد الذي كان سببا في شهرة مغني الراي، فقد جاء قبله وبعده شعراء آخرون، مهّدوا لنجومية الفنانين، من هؤلاء الشعراء المجهولين عربيا نذكر سيدي لخضر بخلوف ومصطفى بن إبراهيم، ابن مدينة سيدي بلعباس، الذي كتب نصا غزليا لافتا عن حبيبته: “يامنة”، نقرأ فيه “هذا اليوم سعيد مبارك/فيه وافيتك يا يامنة/يا تاج الخودات أخبارك/المرض اللي بيك هلكنا/ما لي طاقة عليك نشوفك/ونسقسي في الناس خيانة”، وعبد القادر الخالدي والشيخ حمادة وغيرهم، هؤلاء هم الشعراء الجزائريون الذين كتبوا بالعامية، الذين لم تنصفهم سوى موسيقى الراي العالمية”.