الأخلاق النبوية

الرسالة

الرسالة

إن الأخلاق الحسنة هي عنوان رسالة نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم؛ فقد وصفه ربه في أخلاقه بأعظم وصف: ” وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ” القلم: 4، وخص الخُلُق بهذا الوصف؛ لأن الخُلق الحسَن يجمع في داخله كل صفة طيبة، فهو يحمل الحلم والصبر والكرم واللين والأناة والعفو، كما يحمل صفات الشجاعة في موضعها، والقوة في موضعها، والثبات، والتحمُّل، وغير ذلك من صفات لا تخرج عن حد الاعتدال، بعيدًا عن التنطُّع والغلو والانحراف، وقد تحدث النبي صلى الله عليه وسلم عن رسالته فأوجز قائلًا: “إنما بعثتُ لأتمم صالح الأخلاق” رواه أحمد عن أبي هريرة، وفي رواية الطبراني عن جابر: “إنما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق”. إن المتدبر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يجد أن أخلاقه العظيمة كانت سببًا رئيسًا لدخول الناس أرسالًا وأفواجًا في دين الإسلام، والمواقف كثيرة؛ فعن عبد الله بن سلَام رضي الله عنه، قال: إن الله لمَّا أراد هُدى زيد بن سَعْنَة وهو من أحبار اليهود. قال زيد: لم يبق شيء من علامات النبوة إلا وقد عرفتها في وجه محمد صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أَخْبُرْهما منه: يَسبق حِلمُه جهلَه، ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلمًا، قال: فكنتُ أتلطف له لأن أخالطه فأعرف حلمه وجهله، فذكر قصة إسلافه للنبي صلى الله عليه وسلم مالًا في ثمرة، قال: فلما حل الأجل، أتيتُه فأخذتُ بمجامع قميصه وردائه وهو في جنازة مع أصحابه، ونظرتُ إليه بوجه غليظ، وقلتُ: يا محمد، ألا تقضيني حقي؟ فو الله ما علمتكم بني عبد المطلب لَمَطْلٌ، قال: فنظر إليَّ عمر وعيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير، ثم قال: يا عدو الله، أتقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسمع، وتفعل ما أرى؟ فو الذي بعثه بالحق لوما أحاذر لومه، لضربت بسيفي رأسك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى عمر في سكون وتؤدة وتبسم، ثم قال: “أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا منك يا عمر؛ أن تأمرني بحُسْن الأداء، وتأمره بحُسْن الطلب، اذهب به يا عمر فاقْضِه حقه، وزده عشرين صاعًا من تمر جزاء ما روَّعته”؛ صححه ابن حبان والحاكم. فأسلم زيد بن سعنة رضي الله عنه.