لِلّهِ تعالى آياتٌ كونية تدل على قهره وجبروته وتصرفه الكامل بمخلوقاته، على الوجه الذي يريده سبحانه، لا مُعقِّب لأمره وحكمه، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وكما قال سبحانه ” إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ” آل عمران: 190. آيات تدل على عظمة الله تعالى، وإبداع صنعه، وبالغ حكمته في مخلوقاته، وأنه الخالق وحده، المدبر للكائنات في السماوات والأرضين، فسبحانه ما أعظمه! آيات الله تعالى الكونية جعلها للتخويف والإنذار، وإشعار الإنسان بقدرة الله وقوّته سبحانه، وإذا غفل العباد أو نسوا قدرة الله تعالى وتدبيره لكونه؛ فإنه يريهم بين الحين والآخر شيئاً من قدرته؛ من خسوف أو كسوف أو صواعق أو ريح عاصف أو فيضانات أو زلازل أو غير ذلك مما يخوِّف الله تعالى به عباده، لعلهم يتقون، ويتعظون، أو يحدث لهم ذكراً. آيات الله تعالى في الكون رسالة ربانية فيها إيقاظ للغافلين، وتنبيه للمعرضين المقصرين في حق ربهم، ودعوة إلى عدم الاغترار بالدنيا، أو التعلق بالنعم؛ فقد يسلبها في لحظة، وقد يأتي الموت على حين غرة!. الزلازل والأعاصير من جملة آيات ﷲ تعالى التي يحدثها في الكون؛ إذ في ثوان معدودة يحدث مثل هذا التغير العظيم والدمار الجسيم، الذي لا تستطيع قوة في الأرض مهما عظمت أن ترده. آيات يخوف بها عباده؛ ” وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ” الإسراء: 59.
ومن تتبع النصوص الشرعية الواردة في الآيات يدرك أن لها حكما، والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب، فقد أهلك الله بالرجفة بعض الأمم، كما قال تعالى عن قوم شعيب عليه السلام ” فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ” الأعراف: 78، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ” والزلازلُ من الآيات التي يخوف الله بها عباده، كما يخوفهم بالكسوف وغيره”. وقد تكون الآيات عتاباً من الله لعباده وتذكيراً؛ ليؤوبوا إليه ويرجعوا عما كانوا عليه من العصيان والتمرد، لما رجفت الأرض في الكوفة قال ابن مسعود رضي الله عنه: ” أيها الناس، إن ربَّكم يستعتِبُكم فأعتِبُوه”؛ أي: فاقبَلُوا عتبَه، “وتوبوا إليه قبل ألا يُبالِيَ في أي وادٍ هلكتُم”، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانت الريح الشديدة عُرف ذلك في وجهه، قال الحافظ ابن حجر: ” لما كان هَبُوبُ الرياح الشديدة يُوجِبُ التخويفَ المُفضِي إلى الخُشوع والإنابَة، كانت الزلزلةُ ونحوُها من الآيات أولَى بذلك، لا سيَّما وقد نصَّ الخبرُ أن كثرةَ الزلازلِ من أشراط الساعة “، إن الزلازل والأعاصير، آيات لها أسبابها، ومسبب الأسباب هو الله، ولولا الله لما قام السبب، وعجبٌ أمر من ينسب الزلازل للظواهر الكونية البحتة، أو غضب الطبيعية، ويجردها عن مشيئة الله، فيُعظم السبب وينسب المشيئة له متناسيا قدرة الله الذي بيده مقاليد السماوات والأرض، وإنه مع ما في الزلازل والأعاصير والفيضانات من بلايا وآلام، ونقص في الأموال والأنفس وخراب العمران؛ فإنها لا تخلو مع ذلك من آثارِ رحمةِ الله بعباده، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” أمّتي هذه أمّةٌ مرحومة، ليس عليها عذابٌ في الآخرة، عذابُها في الدنيا الفِتَن والزّلازل والقتل ” أخرجه الإمام أحمدُ وأبو داود، وقال صلى الله عليه وسلم: “من يرِدِ الله بِه خيرًا يصِبْ منه” رواه البخاريّ؛ أي: ينزل به مِن ألوانِ المصائب ما يكون كفّارةً لذنوبه إذا صبَر واحتسب.
من موقع الالوكة الإسلامي