تمكن السوريون في ظرف وجيز من حجز مكان لهم وسط الجزائريون بمختلف أنواع الاستثمارات التي أقدموا عليها في الجزائر، وطريقهم إلى ذلك اللهجة الجزائرية التي كانت توصف أنها غير مفهومة، لنجدهم اليوم يتقنونها جيدا وتمكنوا من استغلالها وإضفاء لمسة شامية عليها سمحت بكسب الزبون الجزائري الذي أصبح يدمن على التسوق بالمحلات السورية في الأسواق الشعبية.
“نعطيهالك بسومة مليحة”، “مكاش مشكل أختي” و” مرحبا بك عندنا” هي عبارات تعودنا سماعها ونحن نتردد على المحلات والطاولات المنصبة بالأزقة والأماكن الشعبية، إلا أن الجديد في هذه الأخيرة أن مصدرها ليس تجار جزائريين وإنما سوريين تمكنوا وفي ظرف وجيز من تبني اللهجة الجزائرية واستثمارها لكسب الزبائن، لتصبح محلاتهم وجهة الجزائريات بوجه خاص لما أصبحت تعرضه هذه المحلات من لوازم منزلية وعبايات مميزة ، بالإضافة إلى المطاعم التي استقطبت شريحة مهمة نظير الأطباق المشرقية التي أغرم بها الجزائري عن طريق المسلسلات السورية.
السوريون يتربعون على عرش الصينيين
بعد أن ضل المد الصيني لسنوات يفرض سيطرته على الشوارع والمدن الجزائرية، أين صنعت محلات بيع لوازم الزينة والأقمشة المطرزة الحدث والتي لا تزال ليومنا هذا تشهد إقبالا منقطع النظير، جاء الدور على السوريين الذين دخلوا الجزائر فرادى وجماعات منذ أكثر من سنة هروبا من الحرب التي اندلعت في سوريا، فوجد هؤلاء ضالتهم وعرفوا كيف يكسبون الجزائري ليصبح زبونهم المفضل الذي يتردد على محلاتهم المختلفة والمتنوعة، ففي ساحة الشهداء بوسط العاصمة استأجر وائل الوافد من مدينة حلب السورية محلا بالمنطقة حوله إلى بيع الملايات التي اسنهوت الجزائريات بشكل كبير، فالمار بالمنطقة يلاحظ التزاحم الذي يسجله المحل، فهذا الإقبال لم يشد انتباهنا بقدر ما شدنا صوت وائل وهو يغري زبوناته باقتناء ملاية بالقول: “اليوم ماشي كل يوم”، “سلعة وسومة” وغيرها من العبارات التي تعودنا سماعها من تجار جزائريين، وفي دردشة جمعت وائل بالموعد اليومي، أكد لنا أنه كان متخوفا في بداية دخوله إلى الجزائر لأنه كان لأول مرة يزورها، ومابالك بقرار الإقامة بها لأجل غير محدد، وبعد معرفة بسيطة بتركيبة المجتمع ومصادقته لبعض الجزائريين ، قرر نقل تجارته التي كان يقوم بها أثناء تواجده في حلب، وهي بيع الملايات خاصة عندما علم مدى عشق الجزائريات لهذه الأخيرة، يقول أنه تمكن في ظرف قصير من وضع أرضية متينة لتجارته، وتردد الزبائن على محله دفعه إلى مضاعفة الكمية، يسترسل وائل في حديثه ويذكرأنه منذ البداية لم يجد صعوبة في التواصل مع زبائنه كون الجزائريات يتقن جيدا اللغة السورية وهو ما وقف عنده من خلال الدردشة اليومية لهن معه ، خاصة وأنهن من متتبعات الدراما السورية، إلا أن اللهجة الجزائرية التي كان يعتقد أنها صعبة وغير مفهومة تمكن في ظرف قصير من تعلمها لتصبح اليوم لغة التواصل مع زبوناته، وحتى هن أعربن له عن فرحتهن من قيامه بذلك، وأصبح يلجأ لمزج اللهجتين السورية والجزائرية لتوطيد العلاقة أكثر مع المترددين على المحل.
وللمطاعم حديث آخر…
وجهة أخرى اختارها السوريون أيضا، خلال تواجدهم بالجزائر بفتح مطاعم تقدم أطباق سورية، والتي أسالت لعاب الجزائريين وهم يشاهدونها في الدراما السورية، لتكون اليوم حاضرة بكل أنواعها فخلال تواجدنا بإحدى هذه المطاعم في بلدية القبة، لمسنا الإقبال الواسع، حيث تبقى العائلات في طوابير تنتظر دورها للجلوس على طاولة، خاصة في وقت الذروة عند موعد الغداء، المحل يقدم عدة أكلات منها الكبة، العرايس، ورق العنب، سلطة سيزار هذه الأخيرة التي أصبح الكثير من الجزائريين يدمنون على أكلها فرغم مكوناتها البسيطة التي تتنوع بين ورق الخس ، والجبن المبشور إلا أن الخبز المحمص أعطاها نكهة مميزة، ومالفت انتباهنا أكثر في المطعم هو تأقلم الفريق السوري مع الزبائن الجزائرية، من خلال إتقان السوريين للهجة بشكل جيد وفهمهم لكل طلبات الزبائن دون عقدة، وهو ما تحدث به لنا صاحب المحل أبو دياب، الذي أكد أن لهجة الجزائريين أعجبته ووجد نفسه تلقائيا يتحدث بها وقد ساعده في تعلمها الزبائن أنفسهم، بعد أن توطدت العلاقة معهم ليصبحوا اليوم زبائن دائمين ، معترفا في ذات السياق أن تعلمه لللهجة ساهم بشكل كبير في رفع مداخيل المحل.