بعد أن عرفت السينما الجزائرية في نهاية السيتينيات و بداية سبعينيات القرن الماضي، عصرها الذهبي، الذي أنجزت فيه أكبر أفلامها، ونالت بفضلها كبريات الجوائز والألقاب في المهرجانات الدولية والعربية، غير أن ضوء السينما في الجزائر ما فتئ ينطفئ في سنوات الثمانينيات والتي أتت بعدها، خاصة وأن معظم الدور التي كانت مخصصة للعروض السينمائية تحولت إلى محلات وما شابه ذلك.
رغم الوهن… تحاول رد اعتبارها
فبالرغم ما أصاب السينما في الجزائر، والآلام التي تنخر جسدها، خاصة في العشرية السوداء التي أسكتت أجيجها، تخطو السينما في الجزائر خطوات ثابتة من أجل العودة إلى ذلك المصاف الذي كانت عليه، من خلال إحيائها للعديد من المهرجانات الوطنية والدولية التي تهدف إلى بعث نفس جديد وأكثر نشاطا على ما كانت عليه بالأمس القريب، فلا يوجد مهرجان سينمائي دولي تحتضنه إحدى المدن الكبرى في الجزائر، إلا و يستقطب عديد الأفلام وألمع النجوم والمخرجين…
وفضلا على أن هذه الأحداث الثقافية الممثلة في شخص السينما تحوي أهدافا نبيلة خاصة ما تعلق بالسينما نفسها، لها أيضا تأثير غير مباشر على الجزائريين المحبين للفن السابع، من خلال إعادة توثيق العلاقة بينها وبين جمهورها، بعد أن عرفت العلاقة بينهما انقطاعا كبيرا في السنوات الأخيرة…
المواطن:”القفة أولا”
… من مهرجان الفيلم العربي بالباهية وهران إلى المهرجان الدولي للسينما بالعاصمة… وغيرها من المهرجانات التي أحدثت ضجة إعلامية على جميع الأصعدة، المحلية، العربية والعالمية… إلا أن الذي ظهر لنا ونحن نتحدث إلى بعض المواطنين الجزائريين خلال الجولة التي قادت “الموعد اليومي” إلى بعض من مدن العاصمة، أن أغلبيتهم لم يسمعوا عن هذه المهرجانات، حتى وإن سمعوا عنها فلن يذهبوا لمشاهدة ما يعرض من أفلام فيها.
عمي “عمر. ز” رجل متقاعد، تحدث في الأمر قائلا، “أنا شخصيا أعرف معنى السينما جيدا، فقد كنت أحضر إلى دور العرض السينمائية التي كانت مفتوحة وبكثرة في العاصمة، لمشاهدة مختلف الأعمال سواء الوطنية منها خاصة ما تعلق بأفلام الثورة، أو الأجنبية” ليضيف، بأن السينما ليست مهرجانا يقام على مدار أيام ويسكت في باقي الأيام الأخرى، وإنما هو حركة متواصلة من العروض ليس فقط على أعمالنا القليلة
ولكن أيضا على مختلف الأعمال العربية والعالمية، فكما جاء على لسان عمي عمر، بأنه لم يسمع عن هذه المهرجانات، حتى وإن حدث فهو غير مهتم بها، لأن تركيزه الآن منشغل في ملء “القفة”.
الشاب “مصطفى”، يبلغ من العمر 27 سنة، عندما تحدثنا إليه عن الموضوع، ابتسم
وراح يفكر قليلا ليجيبنا في الأخير، بأنه لم يترب على ثقافة مشاهدة الأفلام لا في السينما كدار، ولا في المهرجانات، وبالتالي فهو غير مهتم بها. وأضاف قائلا:”السينما بكري، في أيام أبي وجدي وأخي الأكبر، أما في أيامنا فالتفكير كله منصب في كيفية قضاء اليوم ماديا”.
أزمة الإنتاج والتوزيع سبب قطع العلاقة
يرى العاملون في الحقل السينمائي بأن الأزمة المحدثة في الإنتاج والتوزيع السينمائي أثرت سلبا على اهتمام المشاهد، فما كان له من سبيل إلا البحث عن أنماط سينمائية بديلة، فبعد ما كانت السينما الإيطالية بأفلام الوسترن وكذلك السينما الفرنسية والهندية، مسيطرة على قاعات السينما في السبعينيات تحولت الأنظار إلى السينما الأمريكية على مختلف مشاربها، ومع انتشار القنوات التلفزيونية للأفلام وظهور أنظمة الفيديو و(دي. في. دي) و(الفي. سي. دي) أصبح المشاهد أكثر حرية واستقلالا في الاختيار والترفيه. ويرجع المختصون أن هذا التحول العميق في ذوق المشاهد، لم يلفت اهتمام العاملين في حقل السينما، بل كان هدفهم الوحيد عرض الإنتاج في المحافل الدولية للتعريف بالمخرج أو الممثلين مع الإصرار على عدم وجود المشاهد، ففي الدورة التاسعة عشرة لمهرجان السينما الإفريقية بواقادوقو (مارس 2005) توج الممثل الراحل سيد علي كويرات بجائزة أحسن ممثل للدورة في فيلم “المشكوك فيهم” لكمال دهان، وهي قصة مقتبسة من رواية للأديب طاهر جاووت، بينما تميز فيلم “المنارة” لبلقاسم حجاج بجانبه التقني فحصل على جائزة أحسن صوت. فالأفلام الجزائرية حافلة بجوائز المهرجانات الدولية المختلفة، بيد أنها تفتقر لتشريف المشاهد الجزائري، حيث صادر السينمائيون رأيه، فهو في النهاية الذي يتابع ويقيم ويحكم، وهو بالتالي يحدد مدى فاعلية الإبداع السينمائي وقدرته على التأثير والإمتاع.
الذوق الفني حلقة مفرغة لابد من إنمائها
ولكي لا يبقى المشاهد يعيش في ذكرى خيال ووهم السينما الغربية، يقول المثقفون إنه يجب أن ينمي في نفسه الذوق الفني كي يتمكن من التمييز بين الأعمال الإبداعية ويكون له بذلك مواقف خاصة وردود أفعال محددة نحو كل عمل سينمائي يصدر في حينه، فالأفلام الجزائرية وجدت من أجل المشاهد الجزائري إلا أنها ظلت بعيدة عنه بالرغم من أنها وجدت من أجله أولا و أخيرا، إلا أن هذا لا يعني أنه وفي بعض الأحيان كان المشاهد نفسه بعيدا عنها. ومع مرور الزمن ازداد السينمائي بعدا عن المشاهد فازداد بدوره بعدا عنه.
إن الإنتاج السينمائي حتى يصل إلى المشاهد يمر عبر مسار معقد يبدأ بالإنتاج، ويمر بالتصوير ثم التركيب ليصل إلى التوزيع، لذا هل يكفي الكلام عن إحياء السينما دون تخطيط حقيقي وفعلي لقطاعات الإنتاج والتوزيع؟