أسد الصحراء

الشهيد عاشور زيان.. شخصية متفردة لرجل قيادي

الشهيد عاشور زيان.. شخصية متفردة لرجل قيادي

ولد الشهيد عاشور زيان سنة 1919 بقرية البيض بولاية بسكرة، وهي قرية نائية ومعزولة ذات طابع ريفي صحراوي، الحياة بها بدائية مثل الكثير من القرى والمداشر الجزائرية في فترة الاستعمار.

تربى الشهيد وترعرع في وسط هذا المحيط الاجتماعي البسيط، حتى أرسله والده إلى قرية عين الملح قرب بوسعادة لحفظ القرآن الكريم على يد الشيخ «علي بن الباهي»، ثم انتقل إلى زاوية القصيعات لمواصلة تعليمه الابتدائي أين حفظ القرآن الكريم.

وتعلم مبادئ اللغة العربية، ليتحول بعدها إلى الزاوية المختارية بأولاد جلال والتي تمكن فيها من التحصيل العلمي في الشريعة وعلوم اللغة.

وكان لهذه المرحلة من التعليم الأثر الكبير في تكوين شخصيته، حيث كان تكوينه عربيا إسلاميا خالصا.

وبالرغم هذه الظروف والتعليم التقليدي، فإنه لم يكن انطوائيا، أتقن الحديث باللغة الفرنسية نتيجة الاحتكاك في فترة التجنيد الإجباري لمدة أربع سنوات أثناء الحرب العالمية الثانية.

إضافة للمدة التي قضاها في المهجر بفرنسا، والتي مكنته أيضا من التواصل والنضال في صفوف الحركة الوطنية.

وعند اندلاع الحرب العالمية الثانية وانهيار الجبهات الفرنسية، جند عاشور زيان كغيره من أبناء وطنه للدفاع عن فرنسا ضد الهجمة النازية، وبقي في جبهات القتال إلى غاية تسريحه سنة 1944. ثم بدأت اتصالاته بصفوف الحركة الوطنية مناضلا ثم مسؤولا حزبيا.

ثم جاءت مجازر الثامن ماي التي كانت آثارها عميقة في نفوس الأفراد والتنظيمات الجزائرية، لكن مفعول هذه التأثيرات اختلف من فرد إلى آخر، ومن تشكيل سياسي إلى آخر، أما بالنسبة للشهيد عاشور زيان فقد كان قويا في نفسيته، فاعتنق مبادئ حزب الشعب المنادية بالاستقلال، وهو ما جعله في دائرة الاهتمام والملاحقة، وبالرغم من تستره بممارسة التجارة، فإن الإدارة الاستعمارية بادرت إلى إغلاق المقهى الذي تحول إلى ناد مهمته تكوين نواة صلبة من المناضلين، وتوسيع دائرة المؤمنين بمبادئ الحركة الوطنية، وزُج بالرجل في السجن، لكن سرعان ما أطلق سراحه لعدم ثبوت الأدلة..

ثم جاءت انتخابات 1948 لتضع مسمارا آخر في نعش الأمل، وتمكنت السلطات الاستعمارية من تزييف نتائجها وتزويرها لصالح أغلبية افتراضية من المعمرين للسيطرة على دفة الأمور، وتحول المجلس النيابي الصوري إلى أداة في خدمة المستعمر، وقد شارك عاشور زيان في الحملة الانتخابية لصالح مرشحي حزبه حركة انتصار الحريات الديمقراطية. لكن المستعمر واجه هذا النشاط بالمضايقة ثم الاعتقال والسجن بتهمة العمل ضد أمن الدولة وإثارة الشغب.

وحاول أعوان المستعمر استمالته عن طريق تقديم عروض إغراء للتوقف عن النضال، لكنه رفض ذلك، فاليأس من المستعمر بلغ مداه وإمكانية تحقيق الأهداف الوطنية بالوسائل السلمية بدأ يتلاشى ويبدو عقيما وغير مجد.

وازدادت المضايقات حول تحركات الشهيد وحرم من ممارسة مهنته التي يقتات منها، الأمر الذي دفع به إلى الهجرة والاستقرار بمدينة «ليون» وبها واصل نضاله بتولي مسؤوليات داخل هياكل الحركة قبل عودته سنة إلى أرض الوطن، مواصلا نضاله رغم المضايقات والسجن.

وفي الشهر الأول لانطلاق الثورة، اعتقل من جديد وسجن بسجن الكدية في قسنطينة، وبعد إطلاق سراحه، عمد إلى الإسراع في تكوين الطلائع الأولى لجيش التحرير في الصحراء.

واستطاع تكوين جيش يفوق عدده ألف مجاهد وأن يوسع من رقعة تواجد الثورة في الجنوب، وخوض المعارك والاشتباك مع قوات العدو، انطلاقا من جبل بوكحيل.

وقد أبلى الشهيد البلاء الحسن وقاد الرجال في أحلك الظروف، وشكل «جيشه» شوكة دامية في حلق المستعمر، وكانت للشيخ مكانة كبيرة عند قيادة الولاية الأولى وصفه الشهيد مصطفى بن بولعيد بـ “الرجل المحنك الذي نعتمد عليه في الصحراء”، والتقى به في آخر اجتماع له قبل استشهاده، فقد عينه بن بولعيد قائدا للصحراء، وكان في مستوى المسؤولية، إلى أن استشهد في واد خلفون في السابع من نوفمبر 1956 في معركة دامت ثلاثة أيام.

وهي معركة كبيرة وغير متكافئة، أشارت إليها الصحف الاستعمارية في صفحاتها الأولى.