لقد بدأ ابن باديس التدريس في جامع الزيتونة بعد تخرجه منه، حيث جرت العادة أن يدرس النبغاء من الطلبة سنة في الجامعة بعد إنهاء دراستهم فيها، وكان ذلك خلال سنة 1911-1912م، وأثناء إقامته بالمدينة المنورة ألقى فيها دروسا عديدة في المسجد النبوي الشريف وبعد عودته إلى الجزائر، استأنف ابن باديس الدروس التي كان يلقيها في الجزائر قبل رحلته إلى الحجاز، ولم يكتف بتعليم الكبار في المساجد فحسب، بل كان يهتم أيضا بالناشئة الصغار، وقد تفرغ الإمام ابن باديس للتعليم، حتى لم يبق له من الشغل سواه، واستمر يحيي دوارس العلم بدروسه الحية، مفسرا لكلام الله، على الطريقة السلفية، في مجالس انتظمت حوالي ربع قرن، ولم يحد ابن باديس عن هـذه الطريق إلى أن وافاه قدره المحتوم فالتحق بالحي القيوم. أما الإفتاء فبدأ ابن باديس الفتوى مع انتصابه للتدريس، إلا أن هـذا الأمر توسع واشتهر عند قيام الصحافة الإصلاحية، فكانت الأسئلة الفقهية ترد عليه من كـافة عمـالات القطر، فيجيب عليها في صفحـات الشهاب، والبصـائر، وكـانت تدور حـول العقـائـد والعبـادات والمعامـلات، وللإمام ابن باديس فتاوى كثيرة حول ما كان شائعا من بدع وانحرافات في زمانه، كانت محل استحسان من علماء عصره وعلى العموم فقد كانت تلك الفتاوى، أحد وسائل ابن باديس التي وجه بها الجزائريين إلى القرآن والسنة، وصرفهم بها عن البدع التي أدخلت على الدين، والمنكرات التي ارتكبت باسمه.
الكاتب محمد حميداتو