نعرض في هذا المقال لبعض جوانب النجاح التي أصابها الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله، رائد الإصلاح والتجديد والتغيير، ورئيس جمعية العلماء المسلمين في الجزائر ، ونسارع إلى القول: بأن الشيخ -وإلى حد بعيد- حاول أن يستوعب الواقع بكل مكوناته، سواء في ذلك الداخل الإسلامي “واقع الشعب الجزائري” ، أو على مستوى المحاولات الاستعمارية في طمس الهوية وممارسة عملية التذويب، عن طريق الثقافة والسياسة والتربية والتعليم، وتشكيل الطابور الخامس الملحق بفرنسا والمروج لها، سياسة وثقافة وحضارة.. كما أنه لم ينس الأساليب السياسية والثقافية المستمرة في السيطرة على العالم الإسلامي، المتمثلة بسياسة: “اقطع الشجرة بأحد جذوعها” ، وذلك باحتواء واختراق بعض الفئات والتجمعات التي ترفع الشعارات الإسلامية، لتصبح ظهيرة للاستعمار بأنواعه المتعددة، فساد الظلام، وخيم الجمود، وكثرت البدع، واستسلم الناس للقدر، وهذه الظاهرة الاجتماعية أدت إلى تعطيل الفكر، وشل جميع الطاقات الاجتماعية الأخرى ولقد لخص الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله ذلك بقوله: “أما ابن باديس، فقد جاء في فترة جدد فيها الدين”، وقد يكون من المفيد أن نثبت رؤية الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله للواقع الذي بدأ العمل فيه الشيخ ابن باديس وجمعية العلماء، يقول واصفا الحال التي عليها الناس: “فهذا يرنوا إلى المذهب الكمالي… وذاك ينزع إلى التمدن الغربي، ومنهم من انحدر إلى مذهب المادة… ونرى من بين هـؤلاء وأولئك عمائم الإصلاح تدلنا على منهاج آخر، يقوم على عقيدة صحيحة، ورجـوع إلى السلف الصالح، وتغييـر ما بالنفـس من آثـار الانحطـاط”. نعود إلى القول: بأن الشيخ ابن باديس رحمه الله وأجزل ثوابه، استطاع أن يدرك جوانب الإصابة والخلل في المجتمع الجزائري الواقع تحت الاحتلال، والأسباب التي ألحقت به هـذه الإصابات، وبدأ التفكير بمعالجة جذور الأزمة، أو السبب العميق الذي يكمن وراءها، ولم يقتصر في ذلك على معالجة الآثار، على الرغم من أهميتها، ولم يغب عنه ولا لحظة واحدة أن صلاح هـذه الأمة مرهون بالمنهج الذي صلح به أولها، واختبر ذلك في نفسه وما تحقق له من نقلة ثقافية فتحت بصيرته بسبب صلته بالقرآن وانضباطه بمنهجه، وأدرك أن البعث والإحياء إنما ينطلق من مجموعة مرتكزات وجهت إليها الآية الكريمة في قوله تعالى: “هـو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين “الجمعة:2 .
الكاتب محمد حميداتو