تجتمع عوامل مختلفة تساهم في خلق معوقات أمام المرأة الإعلامية، وعلى رأسها القيود الاجتماعية التي تفرضها عقلية المجتمع الذي يرسخ الصورة النمطية عن المرأة ويحصرها داخل دورها التقليدي الذي لا يخرج عن نطاق الأسرة والبيت، حيث أصبح ذلك القيد هو الذي يوجه الفتيات منذ نعومة أظافرهن إلى اختيار تخصصات ملائمة لتطلعات المجتمع، فترسخت هذه المعتقدات السلبية ونمت في أوساط المجتمع على اختلافها إلا الأقلية التي واجهت هذه التحديات بكل إصرار وعزيمة وفيهن من تركن بصمتهن في عالم الصحافة وكن أقلاما لها مكانتها في الساحة الاعلامية.
ولجت المرأة الجزائرية عالم الشغل من جميع أبوابه المختلفة، فلم تترك مجالا إلا وغاصت متخصصة فيه، وراحت نسبة النساء العاملات في الجزائر تزداد سنة تلوى الأخرى إلى درجة باتت تشكلن فيها الأغلبية في بعض المهن، على غرار السلطة الرابعة، بحيث تظهر آخر الإحصائيات المعلن عنها من قبل الوزارة الوصية أن نسبة النساء الإعلاميات تشكل أكثر من 60 في المائة من نسبة العاملين في قطاع الإعلام ككل.
العمل الصحفي.. تحدي الصحفيات
ومع ارتفاع النسبة إلا أن ذلك لا يهم بقدر ما تهم نضالات الصحفيات الجزائريات في مسيرة إثبات الذات، على حدّ تعبير البعض من الممارسات في الصحافة المكتوبة بالقطاع الخاص، ممن فتحن قلوبهن لـ ”الموعد اليومي”، واللواتي أكدن على تمكن المرأة الصحفية في الجزائر من اختراق جدار الصعوبات الاجتماعية والشخصية التي زال الكثير منها مع مرور الزمن، من تدني تقدير المجتمع لها، تعدد الالتزامات الأسرية، العادات والتقاليد، تحفظ الأسرة وعدم تشجيعها، العمل لأوقات متأخرة، بلوغ الأماكن البعيدة والتنقل داخل وخارج الوطن، المعاكسات، التحطيم النفسي، عدم الاستقرار، غلاء المعيشة، الخجل، تدني ثقافة المجتمع في التعامل مع المرأة الصحفية التي يراها متحررة، صعوبة تناول وإثارة بعض القضايا خاصة منها تلك التي تمس بالعادات والتقاليد أو ما يصنف منها ضمن خانة الطابوهات، إذ ترى بعض الصحفيات الجزائريات أن الجزائر حققت تقدما واضحا في مجال استقطاب الساحة الإعلامية للمرأة كيد عاملة مؤهلة.
عدم تفهم المحيط.. مشكل يؤرق البعض
هناك من يرى بأن مهنة الصحافة كانت سببا في تأخير زواج الكثير من الاعلاميات اللواتي انشغلن بالعمل الإعلامي الذي يأخذ الوقت والتركيز، خاصة وأنه لا يرتبط بدوام عمل فقط، كما أن المشاكل الزوجية كثيرا ما تطال الصحفيات خاصة اللواتي تزوجن من غير مجال عملهن، فيصبح الدخول المتأخر للبيت والعمل نهاية الأسبوع مصدرا للمشاكل الزوجية، وعدم التفهم لا يمثل مشكلا بالنسبة للصحفيات المتزوجات فقط بل حتى العازبات منهن من تعرضن لعدم تفهم الأسرة والمحيط لطبيعة عملهن.
أقسام المجتمع والثقافة.. هل تحتكرها الصحفيات؟
تتوّجه الصحفيات إلى بعض الأقسام أكثر من غيرها كالقسم المحلي، الثقافي أو المجتمع، والتي يرى الكثير من الصحفيين الرجال أنها أقسام تصلح لأن تعمل فيها المرأة أكثر من الرجل، وهو ما يعيبه البعض ويراه توجها غير مقبول، فيما أكدت
“لمياء. ط” أن أعمال الصحفيات في هذه الأقسام متميزة مقارنة بأعمال الرجال، حيث تقدم الصحافيات في مثل هذه الأقسام موادا إعلامية غاية في الإبداع، تظهرن خلالها قدراتهن وكفاءتهن سواء في التحرير أو التعامل مع المعلومة التي تسعين للحصول عليها من مصادرها الأولية، بالنزول إلى الميدان.
وهو نفس ما ذهبت إليه زميلتها “ليلى. ن” التي قالت إنه في مواضيع المجتمع تقوم الصحفيات خلال إعدادهن للروبورتاجات والملفات والتحقيقات الصحفية بتقمص الأدوار لمعايشة الواقع ونقل الحقيقة إلى القراء دون تزييف وتجميل، فمنهن، قالت محدثتنا، من تقمصن شخصية متسولات وأخريات متشردات ومريضات عقليا، ومنهن من عرّضن أنفسهن للخطر بدخول أماكن محظورة على العامة وعلى الصحافة تحديدا حتى تنقلن ما يحدث بها خلف الكواليس.
وكل هذا يجعل الصحفية تجازف بحياتها في سبيل نقل الحقيقة إلى القراء، وتنوير الرأي العام، بإعداد مادة إعلامية متميزة من حيث المضمون وأسلوب التناول والتقديم.
صراع في العائلة ونضال في العمل….
واعتبرت الصحفية “أمينة. ت” أن المرأة الصحفية تواجه تحديات في جميع مجالات الحياة الاجتماعية، الاقتصادية، المهنية والنفسية، فمن نظرة المجتمع السلبية لعملها كصحفية إلى الصعوبات التي تواجهها نتيجة تعرضها لضغوطات العمل وصولا إلى المجال الاقتصادي خاصة بالنسبة للصحافة المكتوبة التي تعاني أحيانا من أزمات مالية، وهذا ما يجعل وضع المرأة الصحفية حرجا لأن دخلها يكون متذبذبا، وهو ما يضعها في موقف حرج أمام عائلتها أو زوجها الذين يرون أن خروجها للعمل بدون مقابل أمر غير مقبول، واعتبرت المتحدثة أن كل هذا وذاك يجعل المرأة الصحفية تدخل في صراع نفسي يتمازج بين القلق والتعب.
واعتبرت المتحدثة أن الصحفية الجزائرية في بعض الأحيان عدوة نفسها لأن اعتقادها وإيمانها بموضوع ما قد ينافي ما تطرحه على الساحة الإعلامية كوجهة نظر، وذلك راجع للسياسة الاعلامية للمؤسسة التي تنتمي إليها، فهي مجبرة على التقيد بها وإذا لم تفعل، فهي تعرض نفسها لمشاكل قد تصل إلى الطرد من المؤسسة.
وبالمقابل، تسعى الصحفية الجزائرية لتحقيق ما تريده من نجاح وتقدم، لكن سقف طموحاتها يرتبط بشخصيتها، فإذا كانت شخصيتها قوية محاربة، فهي تسعى لتحقيق ما تريد دون أن تأبه للضغوطات ولا تهتم بنظرة المجتمع. فالمرأة الصحفية مستعدة لتحقيق أحلامها وطموحاتها بالرغم من كل الصعوبات، التي ازدادت مؤخرا، حيث نُلاحظ في وقتنا الراهن فتح المجال أمام المرأة لاقتحام ميدان الإعلام وذلك بتعدد الجرائد، المجلات وكذلك وسائل الإعلام الخاصة، وهذا يحفز المرأة الصحفية على بذل مجهود أكبر والتميز في مجالها.
ل. ب