تعد الصناعة التقليدية أحد أهم القطاعات التي تعول عليها الجزائر لتنمية صادراتها غير النفطية، وهي سلعة سياحية تساهم في الوصول إلى بناء اقتصاد تقليدي من خلال التكيف الإيجابي وكذا اختراق الأسواق العالمية من جهة ثانية، وهو الأمر الذي دفع بالكثير من الشباب إلى التخصص والاحتراف في الصناعة التقليدية ومحاولة بعثها من جديد بعد أن عانت من بعض الحرمان لسنوات.
وتعد الصناعة التقليدية والحرفية جزءا هاما من تراثنا الشعبي والثقافي، باعتبارها همزة وصل حضارية ننقل من خلالها معالمنا الثقافية والحضارية، وتخلق نوعا من التوازن بين الريف والمدينة من خلال مساهمتها في الاستثمار.
الحرفيون.. يد في الصنعة وأخرى في الاستثمار
يرتبط الحرفيون الجزائريون بممارسة نشاطهم الحرفي التقليدي ومشاركتهم في شتى المعارض التي يعتبرونها فرصا يسترزقون منها لعرض منتوجاتهم وبيعها، خاصة وأنهم انضموا إلى غرفة الصناعة التقليدية التي تعمل بالتنسيق معهم وإدارة شؤونهم من خلال سجل الصناعة التقليدية والحرف وتسييره مع ترقية هذا القطاع وتطويره. كما تعمل الغرفة على تزويد السلطات المحلية والهيئات الولائية بالمعلومات والمقترحات التي تتعلق بالصناعة التقليدية والحرف وتقوم بعد ذلك بنشرها، كما تقوم بالتشاور
والاستماع إلى مشاغل الحرفيين ومشاكلهم، وتنسق عملها مع باقي الغرف، خاصة غرفة التجارة من أجل تسويق منتوجات الحرفيين وبذلك ضمان الدخل لهم، كما تساهم في تنظيم المعارض والتظاهرات والأيام الدراسية في القطاع سواء داخل الجزائر أو خارجها.
الجزائريون.. وفن اقتناء التحف
يفتقد الجزائريون عموما إلى ثقافة شراء التحف التقليدية المنحوتة باليد والتي تعرف منافسة كبيرة للمنتجات الصينية التي تُباع بأثمان منخفضة جدا مقارنة بالتحف اليدوية، ويقول بعض الحرفيين إن الجزائريين لا يتمتعون بثقافة الاحتفاظ بهذه التحف من باب المحافظة على الإرث الحضاري وهذا ما يجب خلقه وبعثه من جديد، من خلال تشجيع شراء التحف اليدوية وبالتالي تشجيع السياحة وإنعاشها.
التسويق مشكل آخر يواجه الحرفيين
تعاني الصناعة التقليدية في الجزائر من مشكل التسويق الذي يعد من بين أكبر العراقيل التي يعاني منها الحرفيون، ولهذا تعمل بعض الهيئات على وضع ساحات عمومية تحت تصرف الحرفيين من أجل تسويق منتجاتهم. وبهذا يضمن الحرفيون على الأقل أن ينشطوا في الميدان، وما هو معلوم أن هؤلاء الحرفيين يعملون شهرين في السنة ويبقون طوال السنة ينجزون تحفهم التي يبيعونها في الصيف الذي يعرف حركة سياحية معتبرة.
ندرة المواد الأولية مشكل يؤرق الحرفيين
بالإضافة إلى مشكل التسويق، هناك مشكل ندرة المواد الأولية الذي يعرقل نشاط الحرفيين، ويقابله حافز عدم الحاجة إلى مقر لأن الحرفي يمكنه القيام بعمله بصفة متنقلة، وهذا ما يترجم عدد الحرفيين المسجلين في ولاية الجزائر والذي يقدر بأكثر من 10 آلاف حرفي مسجل، منهم 11176 في الحرف التقليدية والفنية والتراث الثقافي، مؤكدا أن هذا القطاع يخفي مفاجآت ميدانية عديدة، الأمر الذي يتطلب الأخذ بعين الاعتبار هذه الفئة وإدماجها في المشاريع الكبرى كما هو الحال في المطار الدولي هواري بومدين الذي يشغل 300 حرفي، برهنوا لحد الآن قدرتهم على إبراز نشاطهم وتسويقه.
منتجات صينية تهدد الحرف المحلية
وجّه الكثير من الحرفيين أصابع الاتهام للتجار الذين يستوردون المنتوجات الصينية رديئة الصنع، والأسوأ من كل هذا هو جعل الكثير من معارض الصناعة التقليدية تتحول إلى منافذ لعرض وتسويق المنتوجات المقلدة المستوردة من الصين، حيث ازداد تغلغل المنتوجات الصينية في الأسواق الجزائرية بشكل لافت وطاغٍ خلال السنوات الأخيرة، إلى درجة احتكرت تلك المنتوجات مختلف الأسواق لاسيما السوق الخدماتية، وقد تجلى ذلك الغزو بشكل واضح في المنتوجات التقليدية التي يصنعها الحرفي المحلي يدويا، إلا أنها اليوم تبعث من الصين مستنسخة عن طريق آلات فتخرج المادة من المصانع غير متفانية التفاصيل ولا تتمتع بأي جمال وذوق، ذلك الواقع بات يشكل ضغطا على المنتوج المحلي ويهدد بزوال بعضه.
ومع هذا التوجه الكبير نحو المنتوجات الصينية، يقول الحرفي رضوان، مختص في صناعة الحلي الفضية، إن السوق الجزائرية أصبحت تجمع بين منتجين غير قابلين للمقارنة، ما خلق منافسة غير متكافئة، بالرغم من المعارضة المتواصلة للمنتوجات الصينية من طرف الأغلبية الراغبة في استبعاد تلك الرداءة من السوق، إلا أن منافستها “المغرية” في السعر لا تزال تفرض نفسها، إذ يفضل البعض اقتناءها غير مدرك أنها عديمة الجودة وقادرة على تهديد الحس الفني الذي تتمتع به القطع التقليدية المصنوعة محليا من طرف حرفيين اختصوا فيها منذ سنوات.
من جهتها، قالت عبير، مختصة في السيراميك، إن المشكل يتسع يوما بعد يوم، وإن تهديد الصناعة الصينية للصناعة المحلية عائق حقيقي أمام الحرفي، وهو مشكل واقع لابد أن تأخذه الجهات المسؤولة عن هذا القطاع بعين الاعتبار، وذلك بالبحث عن السبل الجذرية لمنعه من التغلغل أكثر في الأسواق خصوصا التقليدية. وأضافت قائلة: “إن التوقعات تشير إلى أن هذه الحالة قابلة للاتساع مع زيادة تقليد المنتج الصيني للمحلي، هذا ما يستدعي ضرورة تركيز المستوردين خلال المعاملات التجارية والمناقصات على الجودة ومنع دخول السلع الرديئة حتى وإن كانت منخفضة السعر، ففي الواقع السعر ما هو إلا مرآة عاكسة لجودة المنتوج، فإذا كان السعر منخفضا، فذلك يعني أن المنتوج رديء.
كما أشارت نفس المتحدثة إلى أن هناك من المنتوجات الصينية التي لها مواصفات جيدة، حيث لا يمكن تعميم “الرداءة” على السوق الصينية، وإنما المشكل الحقيقي يكمن في المستورد “الجزائري” في حد ذاته، حيث عادة ما يحدد في طلبيته “السعر المنخفض” وما على المنتج إلا تلبية ذلك بإنتاج بضاعة باستعمال أرخص المواد الأولية، والتي لا يجد “الصيني” حدودا في استعمال “أي شيء” لإنتاجها، موضحا أن العديد من المنتوجات قد نلاحظ فيها تلك الرائحة القوية “الكريهة” التي باتت تطبعها ويطلق عليها الزبون على أنها “رائحة الصين”.
تثمين الصناعة التقليدية ومقاطعة المستورد
على صعيد آخر، يقول بعض المواطنين الذين التقيناهم في صالون الصناعة التقليدية الذي أقيم مؤخرا، إنه لابد اليوم من تحسيس المجتمع بأهمية تثمين الصناعة التقليدية، وتشجيعها باقتناء المنتوجات المحلية المصنوعة يدويا ومقاطعة المستوردة التي لا تحمل المواصفات الفنية، خصوصا الصينية منها.
وقال المتحدثون إن ذلك التشجيع لا يكون فقط بتكثيف معارض الصناعة التقليدية، وإنما البحث عن سبل أخرى أكثر فعالية، كفتح ورشات في الهواء الطلق ومشاركة الزبون فيها.
قطاع قابل للتطوير
ويعد قطاع الصناعة التقليدية قطاعا قابل للتطوير، ويتم ذلك بإرسال في كل مرة فوج من الحرفيين إلى دول أخرى تشتهر بصناعاتها التقليدية، لتبادل الخبرات في هذا المجال واكتساب معارف جديدة تمكن الحرفي من تطوير صنعته، حتى يخرج قليلا عن المألوف الذي أصبح شبه “ممل”، وهذا لا يعني الخروج عن أصالته، وإنما البحث عن مواد أولية جديدة، كأنواع الخشب مثلا بالنسبة للمختصين في النقش عليه، أو في نوع الأقمشة التي تصنع بها الألبسة التقليدية، أو بكل بساطة في الألوان المستعملة، فكل ذلك التطوير كفيل بالترويج أكثر للصناعة اليدوية المحلية وإيصالها لأبعد حد.
لمياء. ب