تعاني المرأة المحرومة من الإنجاب من نظرة المجتمع عموما ومن عائلة زوجها على وجه الخصوص، هذه النظرة التي تضيف إلى معاناتها النفسية وهي تفتقد لأكثر العواطف الغريزية لدى كل أنثى، معاناة أكبر وأبشع، إذ ترجع الأولى لحكمة الخالق والثانية لظلم البشر.
تختلف الأسباب التي تؤدي لعقم المرأة، ولكن نتائجها تتشابه في معظم الحالات حتى لا نقول كلها، وتعج المحاكم بحالات الطلاق التي يتسبب العقم فيها ويعج المجتمع أكثر بحالات لم تصل لحد الطلاق ولكنها تعيش معاناة يومية في محاولات كتم الحلم الدفين ومواجهة نظرة وكلام المحيطين.
ومع اعتراف الجميع بالقضاء والقدر و”المكتوب” كما يُعرف عندنا، إلا أن تقبّل فكرة الحرمان من الإنجاب تصعب على الكثيرين، وباعتبارنا كغيرنا من المجتمعات العربية، مجتمعا ذكوريا، يزكي الرجل ويتهم المرأة دائما، فبمجرد مرور وقت على الزواج دون ظهور بوادر وعلامات الحمل، تطرح التساؤلات مباشرة للمرأة حول سبب عدم حملها كغيرها ممن تزوجن معها، والمبكي المضحك في الموضوع أن المرأة في حد ذاتها تشك في عدم قدرتها على الإنجاب قبل أن تشك في عجز زوجها .
ضرتها تلد وهي تربي
“صابرة”، اسم على مسمى لامرأة أخذ الصبر الجزء الكبير من حياتها، فبعد معاناة في بيت أهلها مع زوجة أبيها، جاء من اعتقدته الفرج، فتزوجت به على أمل أن تؤسس لنفسها عائلة وحياة تنسيها ما عاشته في بيت أهلها، وهو ما كان يبدو كذلك في الأيام والشهور الأولى لزواجها، لكن وبمرور الوقت وعدم ظهور أي علامات لحملها، صارت الأسئلة تلاحقها في كل اجتماع عائلي أو زيارات حماتها وأخوات زوجها لها، وبعد سنتين من زواجها أكدت لها الطبيبة استحالة حملها وهو ما نزل عليها وعلى زوجها كالصاعقة، وهو نفسه ما جعل حماتها تبدأ في الترتيبات استعدادا لتزويج ابنها من أخرى وهو ما لم يمانعه أيضا، ولم تجد صابرة من مخرج سوى الرضا والقبول طالما أنها لا تملك مكانا آخرا تذهب إليه، فتزوج زوجها من أخرى وأنجبت له بنتين وولدا تقوم “صابرة” بتربيتهم وتقول إنه تعويض من الله لأنها فعلا تحبهم كما لو كانوا أبناءها.
أعادها من حيث أخذها
أما “نصيرة”، وهي الأخرى في عمر الخمسين، لم ترزق بالأطفال، وبعدما تأكد زوجها من أنها امرأة عاقر أعادها من حيث أخذها، وما تزال لحد الآن تعيش مع والدتها. فبعدما عرف محيطها سبب طلاقها، لم يطرق أحد باب بيت أهلها للزواج منها، ولم يشفع لها حسبها ولا نسبها ولا جمالها، بل صارت منبوذة مجتمعيا، وصار الجميع يتحدث عن حق زوجها في تطليقها قصد أن يرزق بأولاد من صلبه.
“نصيرة” ليست غاضبة من تطليق زوجها لها، بل غاضبة من مجتمع لم يحترم قدسية مشاعرها كونها لم تصبح أما ولن تصبح، وضرب بأحاسيسها عرض الحائط، خصوصا أولئك الذين صرحوا في وجهها أنه لا يحق لها أن تحرم زوجها من الأولاد، وبأنه خير ما فعل.
تعاطف وتعايش.. ثم ندامة لا فائدة منها
ما تزال “فتيحة” تتذكر يوم تقدم زوجها لخطبتها، فرحت كثيرا بمقدمه، خصوصا وأنه كان من عائلة محترمة، ويعمل إطارا بالدولة، لكن بعد زواجها، تحولت حياتها من فرح إلى بؤس، وظلت تتابع العلاج لسنوات عند أطباء بالجزائر العاصمة وحتى في الجارة تونس، الذين أكدوا لها في أكثر من مناسبة أنها سيدة تنجب، لتطلب بعدها من زوجها أن يجري تحليلا، تبين على إثره أن الخلل يكمن فيه.
حارت فتيحة في هذا المصاب الذي ألم بها وبزوجها، وبعدما تجاوزا مرحلة الصدمة، خيّرها بين أن تبقى في بيته ويعيشا معا، وبين أن تأخذ حقها في الطلاق وبالتالي حقها في الأمومة، تقول في هذا الصدد: “اخترت أن أظل زوجته، فأنا كنت أحبه كثيرا، كما أن معاملته الحسنة لي جعلتني غير قادرة على هجره والتنكر له، لكني اليوم بعد مضي ما يقرب من 20 سنة على زواجنا، ندمت ندما كثيرا على عدم الرحيل، ذلك أن حياة المرأة في بيت الزوجية دون أولاد جحيم لا يطاق، وفراغ قاتل، خصوصا عندما ينخرك داخليا شعور أن حياتك راحت هدرا”.
تضيف فتيحة أنها حين بدأت تتعايش مع كون زوجها لا ينجب، كانت تخالجها العديد من المشاعر الرافضة لهذا الواقع، خصوصا عند مصادفتها لنساء الجيران وأطفالهن، أو عند إنجاب إحداهن ودعوتها لها لحضور حفل العقيقة، أو حفل ختان، أو حتى عيد ميلاد، أو مصادفتها لهن رفقة أطفالهن وهن يتجولن في الشوارع والحدائق، كلها أمور تقول فتيحة “جعلتني أتألم وأندم لكوني لم أرحل وأتزوج بشخص آخر، لكن الندم لم ينفعني الآن، حاولت جاهدة إقناع زوجي بتبني طفل، لكنه رفض بدعوى أن هذا الطفل سيعود باحثا عن والديه البيولوجيين، وسيتركنا وحيدين”.
التطور الحاصل غيّر من نظرة الرجل للمرأة التي لا تنجب
اعتبر عامر شعيباني الباحث في علم الاجتماع أن مسألة عدم الانجاب كانت في وقت مضى صعبة جدا، ذلك أن المجتمع الجزائري مجتمع إسلامي، والإسلام والأحاديث النبوية ينصان معا على الإنجاب، وعلى الزواج من المرأة التي تنجب ضمانا لاستمرارية النسل. ولذلك صارت المرأة العاقر في المجتمعات العربية والإسلامية تكتسي نوعا من الدونية، ذلك أن هذا المجتمع كان “ينظر إليها، نظرة قدحية ولم يكن مرحبا بها داخل العائلة، وكانت تتعرض للتهميش والتطليق”، ومضى متابعا “أن نظرة المجتمع الجزائري للمرأة التي لا تنجب كانت موازية لنظرة الفلاح لأرضه التي لا تنتج، وهي بذلك كانت تقتصر على الاحتقار والإقصاء والدونية. ما كان ينعكس سلبا على المرأة وعلاقتها بنفسها وبمجتمعها، لكن مع التطور الحاصل تغيرت نظرة المجتمع للمرأة التي لا تنجب، وأصبحت في مجملها نظرة عادية، خاصة في الأوساط الحضرية المتعلمة والراقية، وهي تؤول إلى الزوال والانقراض، حيث صار الرجل يتقبل زوجته التي لا تنجب لمجموعة من الاعتبارات تتعلق بجمالها وأخلاقها وتعليمها، فضلا عن إمكانية التبني، أو فرص الإخصاب الاصطناعي.
لمياء بن دعاس