إن الحياة على هذه الأرض لم يكن لها لتظهر لو لم يتم خلق جميع أجزاء هذا الكون بتقدير بالغ في جميع مراحل خلقه حيث أن خللاً بسيطاً في خلق مرحلة ما من هذه المراحل قد يحول دون أن تكون الأرض بالشكل والمواصفات التي هي عليها الآن. وإن كان هناك من يعتقد أن هذا الكون قد خلقته الصدفة فقد تبين لنا اليوم بعد أن عرفنا القوانين التي تحكم الصدفة أنه يستحيل أن تتفق ملايين الصدف خلال هذه الرحلة الطويلة التي مر بها خلق الكون لكي توفر بالنهاية شروط ظهور الحياة على الأرض. وإذا كان الإنسان العاقل لا يمكنه أن يصدق أن الصدفة يمكنها أن تصنع مسمارا من الحديد على سطح أرض يملأ قشرتها الحديد فلا يجدر به أن يصدق أن الصدفة قد وقفت وراء خلق هذا الكون وما يحويه من مخلوقات بالغة التعقيد يقف البشر عاجزين عن فهم كثير من أسرار تركيبها. وممّا يدل على أن هذا القرآن قد أنزل من لدن عليم خبير هو كثرة الآيات التي تدعو البشر للتفكير في أوجه هذا التقدير البالغ في عمليات خلق الأشياء من حولهم. فلا يمكن لمثل هذه الدعوة أن تصدر عن رجل أمي عاش في وسط أمة أمية بل إنها صدرت عن من أحاط علمه بكامل تفصيلات هذه المخلوقات ويعلم أن كل ما في هذا الكون من مخلوقات قد تم خلقها وفق تقدير بالغ مصداقا لقوله تعالى “وخلق كلّ شيء فقدّره تقديرا” الفرقان 2، وقوله تعالى “إنّا كلّ شيء خلقناه بقدر” القمر 49. وقوله تعالى “وكلّ شيء عنده بمقدار” الرعد 8، وقوله تعالى “الذي أحسن كلّ شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين” السجدة 7، وقوله تعالى “صنع الله الذي أتقن كلّ شيء” النمل 88، وقوله سبحانه “والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كلّ شيء موزون” الحجر 10.
من موقع رابطة العالم الإسلامي