جاءَ هذا المثل في قوله تعالى: ” مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ” العنكبوت: 41. على الرغم من أن البيت عند العرب وغيرهم هو المكان الذي يأوي إليه الكائن الحي من أجل الراحة والاختباء، والهروب من الحر، واللجوء إليه من البرد، والزواج ورعاية الأبناء، وأمور أخرى، فإن ما يجري مع العنكبوت في نسيجه أمرٌ مختلف كل الاختلاف عن ذلك، فنسيج العنكبوت ليس بيتًا، بل هو فخ لصيد الفرائس، ثم تستدرج الأنثى فيه الذكر لثوانٍ معدودة تأخذ منه ضالتها في التلقيح، ثم تفتك به مباشرة، وأما صغارها فتهرب من الأم بعد فقسها بفترة زمنية معينة، خشية أن تفتك الأم بها كما فعلت بالأب من قبلُ. يا لها من قصة تفكُّك وتشرذم أسري منقطع النظير، وهي صورة نشاهدها في حياتنا تشبه قصص أولئك المشركين الذين يتولون ويتخذون آلهة من دون الله تعالى، وإن تشابه المشركين مع العنكبوت في البناء الأسري، وأعمالهم كبيت العنكبوت يكون من وجوه عدَّة؛ منها:
– ما يعتقدون أنها أواصـر تواصل إيجابية بينهم وبين ما يعبدون من دون الله، ما هي إلا خيوط ضعيفة واهية لا تقف أمام التحديات، ولا تجدي وقت النوازل، وهي في نفس الوقت خيوط حريرية ملساء لا يظن من يراها أنها شرك يمكن أن يوقع به، وكذلك الذي يدعو الناس للشرك، فهو يزيِّن شركه، ويحاول أن يظهره أن فيه خيرًا، وهو عكس ذلك.
– ما بنوه في خيالهم من أنَّ ما يُعبدون من دون الله سيكون لهم سترًا من الأقدار، ومعينًا وقت الشدة، وحفظًا من الحر والبرد، ما هي إلا خيوط واهية لا تقي من حر، ولا تدفئ من برد، فهي لا تغني ولا تسمن من جوع، وإن نهاية هذا البناء أن تُمزقه الريح وتهوي به إلى مكان سحيق.
– إنَّ البيوت التي تُبنى على عقيدة فاسدة، وهي عقيدة الشـرك، لا يُمكنها أن تحقق علاقات اجتماعية رصينة، بل هي علاقات مفككة مبنية على الغدر، وعلى تخلي أفرادها عن بعضهم البعض.
من موقع رابطة العالم الإسلامي