في أحلك الظروف يجب أن تنظر من زاوية أخرى شديدة الاتساع متفائلة جدًّا، تخيل معي لحظة والنبي صلى الله عليه وسلم في المدينة ومعه المهاجرون والأنصار رضي الله عنهم، وهم محاصرون من قِبَلِ ألد أعدائهم، يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بحفر الخندق ليكون سببًا في حفظ الله لهم من أعدائهم؛ يقول البراء رضي الله عنه: “لما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحفر الخندق، عرض لنا فيه حجر لا يأخذ فيه المعول، فاشتكينا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقى ثوبه، وأخذ المعول وقال: بسم الله، فضرب ضربةً فكسر ثلث الصخرة، قال: الله أكبر، أُعطيتُ مفاتح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر الآن من مكاني هذا، قال: ثم ضرب أخرى وقال: بسم الله، وكسر ثلثًا آخر، وقال: الله أكبر، أُعطيتُ مفاتح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض الآن، ثم ضرب الثالثة، وقال: بسم الله، فقطع الحجر، قال: الله أكبر، أُعطيتُ مفاتح اليمن، والله إني لأبصر باب صنعاء”، وما هي إلا سنوات وفُتحت الشام والعراق وفارس واليمن.
لكن يا تُرى ماذا يريد الله من الأمة حين يبتليها؟ إنه يريد الانكسار وشدة التضرع إليه ودعاءه والالتجاء إليه، قف معي على هذا المشهد في غزوة بدر وعدد المشركين وقوتهم المادية الظاهرة أضعاف ما عليه المسلمون، وحينما يحمى الوطيس يقف بأبي وأمي صلى الله عليه وسلم كما يروي ابن عباس رضي الله عنهما قال: “حدثني عمر بن الخطاب، قال: لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلًا، فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة، ثم مد يديه، فجعل يهتف بربه: اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آتِ ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تُعبَد في الأرض، فما زال يهتف بربه مادًّا يديه مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه، فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، وقال: يا نبي الله، كفاك مناشدتك ربك؛ فإنه سينجز لك ما وعدك؛ فأنزل الله عز وجل: ” إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ” الأنفال: 9، فأمده الله بالملائكة.