خلال افتتاحه لندوة تاريخية بجامع الجزائر لإحياء اليوم الوطني للذاكرة

القاسمي: مجازر 8 ماي 1945 كانت منعطفا حاسما نحو الثورة والحفاظ على الذاكرة جهاد ومسؤولية مستمرة

القاسمي: مجازر 8 ماي 1945 كانت منعطفا حاسما نحو الثورة والحفاظ على الذاكرة جهاد ومسؤولية مستمرة

احتضن المركز الثقافي لجامع الجزائر، السبت،  ندوة علمية تاريخية تخليدا لليوم الوطني للذاكرة، المصادف للذكرى الـ80 لمجازر 8 ماي 1945، والتي نظمت تحت شعار “بين قيم الشهادة والوفاء”.

وقد شكل اللقاء، مناسبة لجمع كوكبة من العلماء والمؤرخين والباحثين لتسليط الضوء على فظائع الاستعمار الفرنسي، واستحضار بطولات المقاومة الجزائرية التي ظلت صامدة منذ أول يوم للاحتلال وحتى فجر الاستقلال. وفي كلمته الافتتاحية، أكد السيد محمد المأمون القاسمي، عميد جامع الجزائر، أن إحياء هذه الذكرى يأتي وفاء لدماء الشهداء، واعترافا بتضحيات الأجداد الذين لم يهنوا رغم طول سنوات الاحتلال. واعتبر القاسمي، أن مجازر 8 ماي لم تكن مجرد “أحداث عابرة” كما سعت فرنسا لتسميتها، بل كانت مجازر دموية بحق شعب أعزل، مثلت منعطفا حاسما نحو اندلاع ثورة نوفمبر المباركة. وسلط القاسمي, الضوء على بعد مهم من أبعاد المقاومة، وهو الجهاد الروحي والفكري الذي خاضه الجزائريون في قلاع العلم والدين، قائلا: “لم يكن جهاد الجزائريين فقط بالسلاح، بل كان أيضا بالكلمة، بالقلم، بالمقاومة الفكرية والروحية التي كانت فرنسا تخشاها وتحاربها بكل الوسائل”. وكشف القاسمي عن وجود تقارير استخباراتية فرنسية وثقت كيف كانت سلطات الاستعمار تراقب الشيوخ والمعلمين وتحقق في مضامين الأدعية والأذكار داخل الزوايا خوفا من تغذيتها لروح العداء للوجود الفرنسي. وشدد القاسمي، على أن هذا النوع من الجهاد لم يُنصف بعد، داعيا الباحثين إلى تسليط الضوء عليه من خلال دراسات تاريخية موثقة، خاصة وأن الوثائق موجودة والشهادات محفوظة. وختم بالتأكيد على أن التمسك بالإسلام كان دوما سلاح الجزائريين في مواجهة الاحتلال، وأن الانتصارات التي حققها الشعب كانت بفضل هذا الارتباط الوثيق بالدين والهوية. من جهته، قدم الدكتور محمد الحسن زغيدي، منسق اللجنة الوطنية للذاكرة، مداخلة بعنوان “اليوم الوطني للذاكرة.. أبعاد ودلالات”، أبرز فيها أن الدولة الجزائرية بقيادة رئيس الجمهورية، جعلت من الذاكرة الوطنية محورا استراتيجيا في برنامجها، وكرست هذا اليوم لإعادة الاعتبار لضحايا مجازر 8 ماي. وأكد أن المجازر لم تكن محصورة في مدن بعينها، بل طالت 96 منطقة عبر الوطن، من ساحة الشهداء إلى قسنطينة، ومن خراطة إلى إليزي، حيث دفن زعماء قبائل الطوارق أحياء. واعتبر زغيدي، أن المكان الذي احتضن الندوة، وهو المحمدية حاليا (لافيجري سابقا)، يحمل دلالة عميقة كونه شهد إبادة قبيلة العوفية، وكان أول نقطة في مشروع تنصيري قاده المستعمر عبر محاولة تنصير أبناء الشهداء. وأضاف أن الحركة الوطنية أدركت منذ 1926 ضرورة بناء وحدة وطنية وقيادة موحدة، وهو ما تجسد لاحقا في ثورة نوفمبر. وذكر بأن جمعية العلماء المسلمين كانت أول من رد على المشروع الاستعماري بثلاثية مضادة: الجزائر وطننا، العربية لغتنا، والإسلام ديننا، مقابل مزاعم فرنسا بأن الجزائر فرنسية، والمسيحية دينها، والفرنسية لغتها الرسمية. أما الأستاذة الدكتورة كريمة نور الدين، من جامعة تيزي وزو، فقدمت مداخلة تحت عنوان “مجازر 1945 بين آلام الذاكرة وتأصيل العمل الثوري”، اعتبرت فيها أن هذه المجازر أسقطت أكذوبة المهمة الحضارية التي ادعتها فرنسا، خاصة بعدما تنكرت لوعودها بمنح الجزائريين الاستقلال بعد الحرب العالمية الثانية. كما دعت إلى ضرورة التمييز بين الرواية الوطنية والرواية الفرنسية، التي تصف المجازر بـ”أحداث شغب”، مشيرة إلى أن الطابع الوحشي لجرائم فرنسا، أكثر من أعداد الشهداء، هو ما يجب أن يبرز في السرد التاريخي. وأضافت أن هذه المجازر كانت الشرارة التي دفعت نحو إنشاء المنظمة الخاصة تمهيدا لثورة نوفمبر، معتبرة أن ملف الذاكرة الوطنية “لا يقبل المساومة ولا النسيان”. كما شددت على أن التعامل مع التاريخ لم يعد سرديا بل تحليليا، وأن إخراج الذاكرة من قاعات الجامعات إلى الفضاء المجتمعي بات ضرورة وطنية، في وقت يتشابه فيه الإجرام الصهيوني في غزة مع الجرائم الفرنسية في الجزائر من حيث الوحشية واستهداف المدنيين. الندوة خرجت برسائل واضحة مفادها أن جرائم فرنسا ليست مجرد صفحات في كتب التاريخ، بل جراح مفتوحة في الذاكرة الجماعية الجزائرية. وأكد المتدخلون أن تخليد الذاكرة الوطنية مسؤولية مشتركة بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والجامعة، وركيزة أساسية في بناء الجزائر الجديدة، التي تسير بخطى ثابتة نحو استرجاع أرشيفها، وتثبيت رموز ذاكرتها، وقطع الطريق أمام كل محاولات طمس الهوية أو التلاعب بالتاريخ.

محمد بوسلامة