اختصَّ الله عزَّ وجل النَّوع الإنساني من بين خلقه بأنْ كرَّمه وفضَّلَه وشرَّفه، فللإنسان شأنٌ ليس لسائر المخلوقات؛ فقد خلَقَه البارئُ تعالى بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته؛ إكرامًا واحترامًا، وإظهارًا لفضله، واتَّخذ سبحانه من هذا الإنسانِ الخليلَ والكليمَ، والولِيَّ والخواصَّ والأحبار، وجعله مَعْدِنَ أسراره، ومَحلَّ حكمته، وموضِعَ مثوبته. وهذا المقال ما هو إلاَّ بيان لبعضِ مكرمات الله تعالى لِهذا الإنسان، والتي يُمكن استخلاصها من القرآن الكريم على النَّحو التالي:
أولاً: تكريم الذات: إنَّ تكريم الإنسان في القرآن هو تكريم لِذَاته الإنسانية: ” وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ” التغابن: 3، وتكريمٌ لِدَوره في إعمار الأرض: ” هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ” هود: 61، فهذا التَّكريم هو اسم جامعٌ لكلِّ الخَيْر والشَّرَف والفضائل.
ثانيًا: الإيجاد: من إكرام الله للإنسان أنْ أوجَدَه بعدما لم يكن شيئًا مذكورًا، ولا يُعرف له أثر؛ قال عزَّ وجلَّ: ” هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ” الإنسان: 1، والمعنى أنه كان جسَدًا مصوَّرًا، ترابًا وطينًا، لا يُذْكَر ولا يُعرَف، ولا يُدْرَى ما اسْمُه؟ ولا ما يُراد به، ثُمَّ نَفَخ فيه الرُّوح فصار مذكورًا.
ثالثًا: خِلْقتُه على الفطرة: من كرامة الإنسان أنْ خلَقَه الله مَجْبولاً على الإيمان؛ قال سبحانه: ” فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ” الروم: 30، ومعناه: أنَّه تعالى ساوى بين خلْقِه كلِّهم في الفطرة على الجبِلَّة المستقيمة، لا يُولَد أحدٌ إلاَّ على ذلك، ولا تَفاوُتَ بين الناس في ذلك.
رابعًا: الخلافة وإعمار الأرض: تعكس خلافة الإنسان في الأرض أسْمَى مراتب التَّكريم الإِلَهي؛ ” وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ” البقرة: 30.
خامسًا: تسخير ما في الكون لِخِدمة الإنسان: ولِتَحقيق هذه الخلافة سخَّر الله عزَّ وجل للإنسان السَّماوات والأرض وما بينهما؛ ” اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ” إبراهيم: 32 – 34.
من موقع شبكة الألوكة الإسلامي