يتجدد الحديث مع كل دخول اجتماعي عن الغذاء الذي يتناوله أطفالنا خارج المنزل، حيث أصبح موضوع التربية الغذائية من بين أكثر ما يشغل المختصين في التغذية، خاصة مع ازدياد تناول الأطفال لـ “اللمجة” الذي لم يكن معروفا ومنتشرا بهذا الشكل من قبل.
يوجه المختصون في التغذية عبر الحملات التحسيسية التي يطلقونها في هذه الفترة، جملة من الإرشادات والتوجيهات لتوعية الأولياء بضرورة الانتباه إلى ما يتناوله أبناؤهم خارج المنزل وما يقدمونه لهم كلمجة، بالنظر إلى ما تسببه تلك الأغذية المصنعة والمحلاة من أمراض.
اللمجة بديل فطور الصباح
أكد العديد من الأولياء الذين عادة ما يرافقون أبناءهم إلى مقاعد الدراسة يوميا، أن اللمجة بالنسبة لهم تحولت إلى بديل عن فطور الصباح، لأن أغلب الأطفال لا يتناولون فطور الصباح، ويفضلون ما يباع في المحلات من مشروبات محلاة وبسكويت بالشكولاطة، وهو ما حدثتنا عنه سيدة قائلة: «اللمجة بالنسبة لابنتي عبارة عن عصير وعلبة كعك محلى بالشكولاطة تتناولها بصورة يومية»، مشيرة إلى أن ابنتها لا تشرب مطلقا الحليب، ولا تحبّذ فكرة الأكل في الصباح، وتنتظر موعد العاشرة، حيث ينال منها الجوع لتتناول لمجتها، وترفض أي شيء آخر بديلا عن البسكويت والعصير، وهو ما جاء على لسان سيدة أخرى قالت؛ “على الرغم من أن ابنتها تتناول فطور الصباح من دون أن تأكل معه أي شيء آخر، إلا أنها تضطر لأن تشتري لها علبة من البسكويت والعصير”، وتعلّق «رغم أنني أعلم أنه غير صحي، إلا أنني مضطرة إلى النزول عند رغبتها»، بينما اعتبرت مواطنة أخرى أن التقليد هو السبب الرئيسي وراء تفضيل أبنائهم للوجبات المحلاة، حيث أشارت في حديثها إلى أن طفلها كان يأخذ بعض الفاكهة والخبز بالجبن، لكن بعد أن احتك بزملائه، أصبح يرفض الفواكه ويصرّ على والدته لتشتري له العصير والبسكويت، وهو الأمر الذي لم تجد له حلا لأن ابنها عند موعد الغداء يرفض تناول وجبته، لأن السكريات التي تناولها زودته بطاقة جعلته لا يشعر بالجوع.
اللمجة من “غذاء” إلى “مضرة”
قال كريم مسوس أخصائي التغذية إن اللمجة وفقا للعقلية الجزائرية التي تعتمد اعتمادا كليا على كلّ ما هو محلى “خاطئة”، بل أكثر من هذا، تعتبر مضرّة بالصحة، ويشرح «يفترض في هذه الوجبة الصباحية -إن صح التعبير- أن تكون عبارة عن وجبة خفيفة حتى لا يشعر الأطفال بالجوع الشديد، وتكون لديهم القدرة على انتظار موعد الغداء، وعادة ما يتم تناولها في فترة الاستراحة عند الساعة العاشرة، غير أن الملاحظ أن اللمجة تحولت إلى وجبة دسمة تحوي على نسبة عالية من السكريات والدهون، الأمر الذي أفقدها صفتها، والغاية التي وجدت لأجلها»، مشيرا إلى أن من أكثر المخاطر الناجمة عنها، أنها تزود الأطفال بطاقة فارغة، نتيجة تناول كميات كبيرة من السكريات، كما أنها تعودهم على الذوق الحلو، بالتالي تربيهم منذ الصغر على تفضيل الوجبات المحلاة بدل المالحة، وهو مؤشر غير صحي، يقود في المستقبل إلى الإصابة بالبدانة والسكري من النوع الثاني، دون أن ننسى يقول «أنّ اللمجة التي عادة ما تكون عبارة عن قالب شكولاطة أو بسكويت محلى أو عصير يجعل الطفل يفقد تركيزه، لأن تفكيره يظل منشغلا بوقت حلول الموعد ليتناول لمجته، خاصة إن كان من الأطفال الذين لا يتناولون فطور الصباح، كما اعتبر مسوس أن من أهم مساوئ اللمجة، أنها دفعت بالطفل إلى التخلي عن وجبة الغداء، التي يفترض أنها ضرورية، لهذا يقول اقترح «كمختص أن يتم التخلي عنها نهائيا، لأن أضرارها أكثر من منافعها وتعويضها ببعض الفواكه التي حقيقة رغم غلائها، إلا أنها تظل أفضل عوض الحلويات، وبدلا من إعطاء الطفل حبة كاملة، يكفي نصف أو ربع حبة تفاح مثلا، أو بعض حبات العنب أو التمر، من جهة يسدّ ذلك الجوع، ومن جهة أخرى لا يشعر بالشبع، وعند حلول موعد الغداء تكون شهيته مفتوحة”.
دعوة للتخلي عن “اللمجة”
كما دعا رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث العلمي البروفيسور خياطي إلى ضرورة التخلي عن اللمجة، وحثّ الأولياء على الاهتمام أكثر بوجبة الإفطار الصباحية لأطفالهم، وقال «وجبة الإفطار إن كانت كاملة، يمكن الاستغناء نهائيا عن اللمجة»، مشيرا إلى أن الدراسات الحديثة في مجال التغذية عند الأطفال، تشير إلى أن اللمجة تعتبر من الأخطاء الاجتماعية الفيزيولوجية، لأن التغذية تختلف من عائلة إلى أخرى، كما أن ماهية الغذاء الصحي كثقافة غير متوفّرة عند كل الأولياء، بالتالي الأصح في التربية الغذائية تكون بالعودة إلى طريقة التربية التقليدية التي يجبر فيها الأطفال على النوم باكرا، لأخذ قسط وافر من ساعات النوم والاستيقاظ في وقت مبكر، لتناول فطور الصباح الذي يعتبر إلزاميا ويحوي على نسبة من البروتينات والسعرات الحرارية التي تساعده على التمدرس بشكل جيد.
البدانة وسوء التغذية نتاج السلوكات الخاطئة
دعا المختص في الصحة العمومية، الطبيب فتحي بن أشنهو الأولياء، إلى وجوب التحلي بالمسؤولية تجاه ما يقدم لأبنائهم من غذاء، معتبرا أن الأولياء والمحيط يلعبان دورا هاما في إكساب أبنائهم ثقافة غذائية صحية، مشيرا إلى أن كل ما يقدم لهم ويصطلح على تسميته بـ “اللمجة” أو الوجبة الخفيفة، أصبح يشكل خطرا على صحتهم، وهو ما يعكسه ارتفاع معدل البدانة بالنظر إلى ما يتناولونه من أغذية محلاة، كالعصائر الاصطناعية التي تحوي على نسبة عالية من السكر، وغيرها من الحلويات المحشوة بالشكولاطة الصناعية الغنية بالزيوت غير الصحية، وهو ما يستدعي تجنب كل ما يباع في المحلات واستبداله بما هو غذاء صحي، ممثلا في قطعة خبز من القمح الكامل أو الشعير، أو بعض الفواكه التي لا تتسبب في إصابتهم بالأمراض من جهة، وتمنحهم الفيتامينات التي يحتاجون إليها. اقتناء كل ما هو مصنع ومعلب وجاهز، تحول، حسب بن أشنهو إلى جزء من عاداتنا الغذائية غير الصحية، وبالنظر إلى ارتفاع معدل المصابين بالأمراض المزمنة، كداء السكري، لابد من التحلي بالوعي الاستهلاكي وتصحيح هذه العادات، وهي مسؤولية يتحملها الأولياء والمحيط المدرسي الذي يجب عليه أن يلعب دورا بارزا في محاربة الأغذية غير الصحية.
كما تسبب انتشار البدانة في صفوف المتمدرسين بقلة الحركة، لأن أغلبهم اليوم يتم إيصالهم في السيارة إلى المدرسة أو بالاعتماد على وسائل النقل، الأمر الذي جعلهم غير قادرين على حرق السعرات الحرارية، بعد تناول الوجبات الغنية بالسكريات.
ل. ب