مضى قرن من عمر الزمن على استعمار فرنسا للجزائر، ونجحت السلطات الاستعمارية في تغيير الكثير من معالم المجتمع الإسلامي الجزائري. غير أن شيئا لم تتمكن من بلوغه هو تدمير قلعة الصمود من الداخل، فقد اعتزلت المرأة المسلمة بنفسها، وتقوقعت في معقلها، متحصنة بدينها، متدرعة بإسلامها. وقد برزت هذه الظاهرة بشكلها الواضح للمجاهد التونسي المولد، والجزائري الموطن، عندما قدم الجزائر منفيا سنة 1925. فقال بعد أن وصف فئة من الشباب الجزائري الذي انساق مع تيار الاستعمار، وما وصل إليه حالهم من السقوط والانحلال: “أما السيدات، فلم يختلطن بمستعمر، ولم يعرفن أجنبيا، ولم يترددن على مدرسة أجنبية ولم يدخل العبث والرجس بيوتهن، فكن من أطهر وأجمل وأجل ما يستطيع الإنسان ذكره عن سيدة كاملة، مسلمة، عربية، تقية، نقية، طاهرة، ورعة، حفظت من جزائر الأجداد دينها وإيمانها وعروبتها وعزتها وشرفها. وورثت عنها ابتها تلك التقاليد، وتلك الأخلاق”. لقد كانت خميرة الثورة كامنة هنا، في معقل صمود المرأة الجزائرية المسلمة، فلا غرابة في أن تقفز المرأة الجزائرية إلى موقع الفداء والتضحية عندما تتوافر لها الفرصة. وتخرج المرأة الجزائرية المسلمة مرتدية عباءتها التقليدية لتتصدى بصدرها لرصاص العدو. وتسقط شهيدة، فيما كانت أختها تعاني ألوان العذاب تحت سياط الجلادين. إنها صورة خالدة لم ترسمها ريشة رسام، ولم يحدد معالمها خيال شاعر، ذلك لأنها صورة واقعية ترتبط بتراث أصيل يضرب في جذوره عميقا إلى أعماق التاريخ الإسلامي في الجزائر. وإذا كانت المرأة الجزائرية – جاهلة للحضارة الغربية – فما أغناها عن معرفة تلك الحضارة التي لم تحمل إلى بلادها إلا الانحلال والتمزق والضعف. ولعلها لم تدرك ذلك في بداية الأمر بعقلها، غير أنها أدركته بقلبها المؤمن، فكان إيمانها هو مصدر معرفتها.
من كتاب – جهاد شعب الجزائر-