مع التركيز على ذكر المرأة في ميادين الجهاد، فإن الأمر الواضح هو أن هذه المرأة كانت عضوا فعالا في المجالات التعليمية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية قبل الغزو الفرنسي الاستعماري وكانت لها مكانتها اللائقة بها في أسرتها ومجتمعها، وكانت تشارك في جميع الأعمال – الشاقة وغير الشاقة – مما تتطلبه حياة الريف. وكانت في المدينة أيضا تتبوأ مكان الصدارة في مجالات الثقافة والفكر والأدب، مما ساعدها على الإسهام في رفع المستوى الاجتماعي للوطن الجزائري لقد فرض الاستعمار الفرنسي شكله البغيض، وطبق مخططاته الجهنمية، على شعب الجزائر، الذي عاش فترة تاريخية مظلمة، وذلك لأنه لم يكن استعمارا ماديا “اقتصاديا” فحسب وإنما كان أيضا استعمارا معنويا “روحيا” واستعمارا استيطانيا، كاد أن يقضي على أصالة هذا الشعب ويزيل شخصيته العربية الإسلامية المميزة، والمتمثلة بدينه ولغته وتاريخه وتقاليده، التي تحتل الحرية فيها المرتبة الأولى. لقد استعمل المستعمر ضد الجزائر والجزائريين مختلف أساليب الظلم والوحشية، وحاول تجريدهم من المقومات والمبادئ الوطنية، بتبديل علمهم، ومحاربة دينهم ولغتهم، وقلب نظام حياتهم الاجتماعية فقرا وحرمانا، وحضارتهم وتطورهم تخلفا وانحطاطا. ثم بعد أن تم له ذلك بدأ يوهمهم أنه الكريم صاحب الغاية الحضارية السامية. وصار يعطيهم جرعاته المسمومة باستمرار من فكره ولغته وتقاليده طمعا في الوصول إلى عملية “فرنسة عامة” فهل تم له ذلك بالنسبة للمجتمع عامة وللمرأة بصفة خاصة؟. إنه بالنسبة للمجتمع لم يقدر إلا على تشويه السطح والمظهر، أما المضمون والروح فبقيت نقية أصيلة، وكان يوم ثورته أهم عوامل انتصاره. وأما المرأة، فنجدها رغم جهلها، وحالة التخلف والجمود التي تجرعت منها أكثر من أخيها الرجل، بسبب وضعها داخل البيت، ينقسم كفاحها ضد عمليات القمع والتشويه الاستعماري إلى نوعين اثنين:
أولهما: كفاح ظاهر ومباشر، ويتميز في المظاهرات والتنظيمات والنشاطات الحزبية والإصلاحية.
وثانيهما: كفاح ضمني وغير مباشر، وهو ذلك الموقف الإيجابي الذي وقفته كمسؤولة عن مقومات الأسرة وعاداتها وتقاليدها الروحية والحضارية. وبالتالي موقفها إزاء مقومات وخصائص المجتمع عامة، حيث أشاحت بوجهها عن كل ما هو أجنبي واستعماري بما في ذلك الثقافة والتعليم.
من كتاب – جهاد شعب الجزائر-