عند اندلاع الثورة التحريرية، كان المناخ الاجتماعي الذي تعيشه المرأة متشبعا بالاستعداد للتفاعل والحركة والعطاء. مثلها كمثل الجماهير الجزائرية بصورة عامة. لتعيش أخصب الفترات في تاريخ الجزائر الحديث. ووجدت لها المتنفس في غرة نوفمبر1954. إن عدد النساء في كل بلد يقدر بنصف سكانه على الأقل، وبقاؤهن في الجهل والسلبية والتواكل يعد حرمانا من الانتفاع بأعمال نصف المجتمع، ويكون سببا في فشل عمل الرجل ذاته بنسبة كبيرة. بهذا المفهوم المنطقي للثورة استقبل مناضل ومجاهد ثورة الفاتح من نوفمبر 1954، أخته وأمه وابنته، ملقيا عليها أعباء كثيرة من مسؤوليات الصراع المسلح. وكانت عند حسن الظن بها وقد اشتركت جندية وممرضة ومسؤولة عن التموين والسلاح. ومسؤولة عن الاتصالات السرية في جميع جبال الولايات الست، زيادة على دورها المعروف في المدينة كفدائية ومسبلة وكان ما كان … مما يقابل الكفاح والفداء من معاملات استعمارية ضد كل الثوار. فعذبت المرأة أشنع أنواع التعذيب. ولفظت روحا سعيدة مع أنفاسها، لأنها لم تعترف على مواقع إخوانها. واستعملت معها أبشع وأقذر أشكال الإهانة لإنسانيتها وطبيعتها، وعوملت بوحشية وعذبت بالسجون والمعتقلات وحكم عليها بالإعدام. ورغم ذلك بقيت صامدة حتى النصر. لقد توافرت مجموعة لا نهاية لها من الشواهد التي تبرز دور المرأة أثناء الحرب، وما تميزت به من الإقدام وروح التضحية. فوقفت نساء المدن وهن يتحدين قوة العدو التي كانت تواجههن وكن يزحفن للقاء الموت من أجل الكرامة. ولا زالت ذكريات المرأة الريفية نابضة بالحياة وهي تحتمل كل الصعوبات، وتعاني من كل ويلات الاستعمار. وتضحي بنفسها وأولادها وزوجها لمساعدة المجاهدين. وكم من مرة رأت كوخها وهو يحترق أمام عينيها. أو أطفالها يقتلون، أو زوجها وهو يحفر قبره بيده. ورأينا المرأة الجزائرية في الجبال وهي تحمل السلاح أو تعمل كممرضة أو طبيبة، وهي تنتقل من دشرة إلى أخرى. وخاضت المرأة المعركة بجميع جوانبها، بكل حزم، مثلها كمثل الرجل، يدا بيد. وصمدت لكل أهوال الحرب حتى ساعة النصر. وبرهنت بذلك أنها عضو كفء لتحمل أصعب المسؤوليات، وتنفيذ أخطر أعمال الفدائيين وسجل لها التاريخ ذلك بأحرف لا تنسى على مدى التاريخ. وأصبحت قدوة يقتدى بها، ومثالا تحتذي به كل نساء الشعوب الباحثة على الكرامة والحرية .
من كتاب – جهاد شعب الجزائر-