تحيي نساء العالم يومهن العالمي هذه السنة في ظروف خاصة، جعلت جمعيهن كفة ونجمات فلسطين الصابرات في كفة أخرى، فوقفت الكلمات عاجزة عن وصف ما تمر به الفلسطينية هذه الفترة، حيث قدمت دماءها ودماء أحبائها الطاهرة فداءً للأرض.
هذا، ويتخذ الاعتداء على المرأة الفلسطينية وحقوقها أبعادًا خطيرة خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المحاصر، حيث تعاني آلاف النساء تحت وطأة العدوان سواء لكونهن ضحايا، أو بسبب انعدام فرص الوصول إلى خـدمات الرعاية الطبية، مع استهداف المستشفيات والمراكز الصحية والقصف المستمر.
وبحسب مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بمسألة العنف ضد النساء والفتيات، تُعد آلاف منهن ضحايا جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية.
“كابوس بكل معنى الكلمة“
وبينما تتعمق معاناة الحوامل في غزة مع غياب ملاذ آمن من القصف، لا تلقى تحذيرات الأمم المتحدة من الأوضاع غير الإنسانية التي تتعرض لها النساء آذانًا صاغية.
وتتعرض حوالي 50 ألف امرأة حامل في غزة للولادة في ظروف مزرية على نحو متزايد، بمن في ذلك 5500 امرأة من المقرر أن تلدن خلال شهر، ما يؤدي إلى إجبار أكثر من 180 امرأة يوميًا على الولادة في ظروف غير إنسانية ومهينة وقاسية وخطرة، وفق الأمم المتحدة.
ومع نفاد الوقود والأدوية والمياه وإمدادات المستشفيات، تلد نساء حوامل دون تخدير أو احتياطات صحية أو تدخل جراحي.
وقد وصفت أمهات في غزة تجربتهن مع الولادة تحت وطأة القصف الإسرائيلي المستمر بأنه كابوس بكل معنى الكلمة، أو ما يشبه فيلم رعب.
لتعيش أمهات فلسطينيات في قطاع غزة مآسي لا يمكن وصفها بعدما فقدن أطفالهن أو شهدن تشوههم وإصابتهم بجروح خطيرة أو لا يعرفن مكان وجودهم، وفق الأمم المتحدة.
ضغوط نفسية قاهرة
تعاني الفلسطينيات من ضغوط نفسية قاهرة بسبب الآثار الكارثية لهذه الحرب بدءا من ترك منازلهن، مرورا بفقدان مقومات الحياة، وصولا لفقدان أفراد من عائلاتهن وأطفالهن.
وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن 1.8 مليون نازح فلسطيني باتوا يعيشون، في مئات مراكز النزوح والإيواء، حياة غاية في الصعوبة.
وقال المكتب في بيانه “هذه الأعداد الكبيرة من النازحين تحتاج لحل جذري لإنهاء معاناتهم المتواصلة، وكلهم بحاجة إلى مساعدات وإمدادات عاجلة على المؤسسات الدولية توفيرها فورا”.
وفي وقت سابق قالت ريم السالم المقررة الخاصة المعنية بالعنف ضد النساء والفتيات -في بيان- إن المرأة الفلسطينية تعرضت وعلى مدى عقود لهجوم متعدد الطبقات من التمييز والعنف الفظيع والممنهج بسبب الاحتلال الإسرائيلي، والحرمان من حق تقرير المصير.
وأضافت “الاعتداء على كرامة المرأة الفلسطينية وحقوقها اتخذ أبعادا جديدة ومرعبة” منذ 7 أكتوبر الماضي موعد بدء الحرب الإسرائيلية المدمرة على القطاع، حيث أصبح الآلاف منهن ضحايا “جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية التي تتكشف”.
وتطرقت السالم إلى “الظروف الصعبة التي تواجه الحوامل في غزة مع الولادة دون تخدير أو تدخل جراحي أو احتياطات صحية”.
إلى جانب ذلك، فإن التقديرات حرمت “أكثر من 690 ألف امرأة وفتاة فترة الحيض من الحصول إلا بشكل محدود على منتجات النظافة الخاصة بالدورة الشهرية”، وفقا لصندوق الأمم المتحدة للسكان.
خصوصية مفقودة
وفي أحد مراكز النزوح بمدينة رفح جنوبي القطاع، تقف السيدات في طابور بانتظار دورهن لدخول دورات المياه.
وحول هذا، تقول إحدى الفلسطينيات التي نزحت من شمال غرب مدينة غزة بغضب “حتى دخول الحمامات صار يحتاج طابورا!! ألا يكفي ما حدث لنا بغزة، هل يجب علينا أن نتحمل إهانة كرامتنا هنا أيضا”!.
وأضافت “لم تعد لدينا كسيدات أي نوع من الخصوصية، فنحن أصبحنا في الشوارع، على مرأى ومسمع الجميع”.
وأوضحت أن معاناتهن تتفاقم يوميا في ظل الازدحام الشديد داخل مراكز الإيواء، والنقص الحاد للمياه ونفاد مستلزمات النظافة الشخصية.
وتضيف بحرج شديد “بداية النزوح لم أتقبل هذا الوضع، وكنت محرجة جدا لدرجة منعتني من دخول الحمام لمدة يومين إلى الحد الذي تسبب بآلام شديدة في البطن والكلى”.
وتبين أنها تحاول التأقلم مع الوضع الحالي رغم صعوبته بسبب فقدان الخصوصية، وتقول “لم أتوقع في أسوأ الأحوال أن تصل الأمور إلى هذا الحد، العيش في مركز إيواء واستخدام حمامات عامة، وغير ذلك الكثير”.
وتقول فلسطينية أخرى إن النازحات يواجهن أزمات عديدة “ونواجه أزمة صحية حقيقية داخل مراكز الإيواء بفعل نقص مستلزمات النظافة والمستلزمات الصحية الخاصة بالنساء”.
وتوضح أن نقص المياه يتسبب أيضا بأزمة نظافة، مما يؤدي إلى إصابة العديد منهن بأمراض نسائية، إلى جانب انتشار الأمراض المعدية.
وأشارت المتحدثة إلى أن انعدام خصوصية النساء في مراكز الإيواء يولد لديهن “شعورا بالخوف وعدم القدرة على التصرف بحرية”.
ونقلت عن النازحات شعورهن بـ “حرج شديد وتقيد في الأماكن العامة، بينما دفعتهن الظروف المعيشية الصعبة -في ظل انعدام مصادر الدخل ونفاد البضائع من الأسواق- للاقتصاد في استخدام أي مواد أو مستلزمات خشية فقدانها في حال طال أمد الحرب”.
الفلسطينية تتعرض لكافة أشكال العنف من قبل الاحتلال الصهيوني والمستوطنين
قالت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية، إن المرأة الفلسطينية تتعرض لكافة أشكال العنف والتمييز والتعذيب والاضطهاد من قبل الاحتلال الصهيوني والمستوطنين، بما في ذلك القتل العمدي والاعتقالات التعسفية.
ونقلت وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) بيانا للخارجية أشارت فيه إلى “العنف الممنهج وواسع النطاق الذي تعاني منه المرأة الفلسطينية من قبل الاحتلال، في ظل نظام فصل عنصري يفرضه على الأرض الفلسطينية وأبناء شعبها في كافة أماكن تواجدهم”.
وأضافت الوزارة أن العالم يتجاهل الإبادة الجماعية التي تتعرض لها المرأة الفلسطينية وكافة أبناء الشعب الفلسطيني، منذ 7 أكتوبر الماضي وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، التي ترتكبها قوات الاحتلال بحقهن، بحيث استشهدت أزيد من 250، 3 امرأة و350،5 طفلا وطفلة، بنسبة 68 بالمئة من عدد الشهداء منذ بدء العدوان وفقدان ما يزيد على 500، 3 طفل وامرأة، فيما ترملت ما تزيد عن 056، 2 امرأة”.
وأوضحت الخارجية الفلسطينية أن قوات الاحتلال الصهيوني “هجرت داخليا وقسريا، أكثر من 7، 1 مليون فلسطيني وفلسطينية، بينهم أكثر من 800، 788 من النساء والفتيات وعرضتهم للتجويع والترهيب وانقطاع الماء والدواء والكهرباء والوقود والعلاج والعناية الصحية، بعد أن قصفتهم في أماكن نزوحهم أو خلال نزوحهم، بما يشمل المستشفيات ودور العبادة والمدارس وغيرها من الملاجئ، بحيث أصبح لا مكان آمن في قطاع غزة”.
وأكدت الوزارة أن النساء والأطفال يتحملون العبء الأكبر من العدوان على غزة، وهو ما أكدته العديد من المؤسسات الأممية والخبراء والمقررين الخاصين الأمميين، حيث هناك أكثر من 50 ألف امرأة حامل في قطاع غزة ومن المتوقع أن 552، 5 منهن ستلدن خلال هذا الشهر في ظل ظروف “مأساوية لا إنسانية، دون توافر أي نوع من أنواع الخدمات الطبية أو خدمات ما بعد الولادة، ما يعرضهن أو يعرض أطفالهن لخطر الموت الوشيك، بما يخالف جميع المواثيق والاتفاقيات الدولية ذات الصلة”.
وأوضحت أن ما تعانيه المرأة في قطاع غزة لا يمكن فصله عن معاناة النساء والفتيات في الضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة، فمنذ بداية أكتوبر الماضي، تزايدت وتيرة الجرائم والاعتداءات والاقتحامات الصهيونية للمدن والقرى ومخيمات اللاجئين الفلسطينية، التي تتخللها حملة اعتقالات واسعة وهدم للمنازل والممتلكات.
وطالبت الخارجية، بالوقف الفوري للعدوان الصهيوني على قطاع غزة ورفع الحصار عنها ووقف المجازر والإبادات الجماعية للمدنيين العزل، والسماح بدخول الطعام والماء والوقود والكهرباء والمساعدات الطبية والإنسانية لأبناء الشعب الفلسطيني في القطاع، بما في ذلك الاحتياجات الخاصة بالنساء والفتيات.
ودعت الوزارة لمساءلة ومحاسبة الاحتلال الصهيوني عن جرائمه وانتهاكاته الممنهجة والمستمرة لحقوق النساء والفتيات الفلسطينيات في كافة أماكن تواجدهن، وإرهاب المستوطنين وتوفير الحماية الدولية لهن، وصولا لإنهاء الاحتلال لأرض فلسطين وتفكيك نظام الفصل العنصري، وإحقاق حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والاستقلال والعودة للاجئين واللاجئات إلى ديارهم التي شردوا منها.
ل. ب