توجد مرافق المراحيض العمومية التي تم اطلاقها منذ سنوات في وضع التهميش ولم تدخل الخدمة بعد، ما جعلها عرضة للتخريب والتلف واستعمالات في غير ما تم تخصيصه لها، ما يطرح أسئلة عديدة حول المبالغ المالية المخصصة لهكذا مشاريع ليتم استكمالها ثم تترك عرضة للإهمال والتخريب.
إطلاق مشروع المراحيض العمومية بالعاصمة كانت له عدة أهداف، أهمها نشر الوعي بين المراهقين والشباب وباقي فئات المجتمع بضرورة المحافظة على نظافة المحيط وإعطاء الصورة الحقيقية للعاصمة البيضاء، وتحسين ترتيب العاصمة بين العواصم الدولية بعد أن أصبحت من أسوأ العواصم في عدة نواحي، إلا أن استكمال هذه المشاريع لم يحسن من الوضع بعد أن بقي الكثير من هذه المرافق مغلقا، والأخطر من هذا راحت الملايين من أموال هذه المشاريع أدراج الرياح بعدما تعرضت المراحيض للتلف والتخريب بسبب عدم تسليمها للمسيرين من الشباب البطال والفئات الأخرى مثل ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث كان يمكنها امتصاص البطالة في العاصمة واعطاء الشباب فرصة للاستثمار في مثل هذه المرافق.
عبّر العديد من المواطنين عن استيائهم من قذارة المراحيض العمومية الموجودة في بعض شوارع العاصمة وانبعاث الروائح الكريهة على بعد أمتار، حتى أصبح منظرها مثيراً للاشمئزاز وسببا للمرض، ما جعل الكثيرين يمتنعون عن الدخول إليها بمجرد رؤية المكان من الخارج، في حين هناك من يضطر لدخولها مرغما.
النساء والشيوخ المتضرر الأكبر
وفي هذا السياق، قالت السيدة “مونية” عاملة بمؤسسة عمومية: “تعودنا على وضعية المراحيض العمومية المنتشرة هنا وهناك، وصار وجود أحدها نظيفا هو الاستثناء، ولذا أنا أطالب بضرورة تدخل السلطات المعنية سريعاً من أجل مراقبة النظافة، خصوصا وأنها تعد أكثر الأماكن التي يمكن أن تنتشر فيها الجراثيم والميكروبات، والتي قد تنتقل إلى كافة الأشخاص الذين يستعملون نفس المرحاض”، وهو الرأي الذي شاطرها فيه العديد من المواطنين خاصة النساء والحوامل منهن، نظرا لتعرضهن لالتهابات بسبب استعمالهن هذه المرافق، وهو ما وقع للسيدة “سميرة” التي عانت بسبب دخولها الاضطراري لأحد المراحيض العمومية، والذي كان في وضعية يرثى لها، مشيرة في نفس الوقت إلى أنها ليست الوحيدة التي تعرضت لهذا المشكل، فالعديد من صديقاتها سبق وأن وقعن في نفس المشكل بسبب انعدام النظافة التي دفعتهن الحاجة للتغاضي عنها.
من جهته، عمي الطاهر البالغ 68 سنة أخبرنا بقصته، فهو مصاب بداء السكري، لهذا يتردد كثيرا على المرحاض، ولهذا السبب أصبح لا يخرج من البيت كثيرا، لعدم وجود مراحيض عمومية، التي إن وجدت فستكون في حالة متسخة جدا، خاصة وأنه ذات يوم لما خرج من المنزل، لم يتمكن من قضاء حاجته، لعدم وجود مراحيض عمومية، وبعد البحث الطويل سمح له أحد أصحاب المقاهي باستعمال مرحاض المقهى، فلولا وجود ذلك المقهى لتعرض عمي الطاهر لمضاعفات خطيرة.
وهذا ما جعل العديد من الشبان يفكرون في افتتاح مرحاض عمومي بالأماكن التي تعرف حركة كبيرة للمواطنين كاستثمار يقلل من البطالة ويخفف عن المواطن، لكن طلباتهم قوبلت بالرفض من طرف السلطات المعنية بحجة أن الأماكن المطلوب العمل فيها مخصصة لمشاريع أخرى، لتستمر معاناة المواطن في ظل عدم وجود إرادة حقيقية للخروج من الوضع المتخلف الذي تعيشه المدينة.
بسبب غياب المراحيض.. انتشار الروائح الكريهة والعاصميون يتذمرون
لا يخلو مكان في العاصمة خاصة تلك المناطق المعروفة بانتشار الحانات من الروائح الكريهة، حيث لا يجد الكثير من الناس ليلا أماكن مناسبة لقضاء حوائجهم، ما يجعلهم يفعلون ذلك على أسوار العمارات ومداخلها خاصة تلك التي تنقص فيها الإنارة ليلا، حيث يصعب ملاحظتهم، بل وتحولت أماكن بعينها إلى مكان مفضل لقضاء الحاجة في ظل غياب المراحيض، كما يلاحظ أيضا أن رواد الحانات صاروا لا يبالون بدورهم بأي رادع، حيث يستعملون مداخل العمارات والمحلات وحتى الشوارع القريبة من الحانات ويجعلون منها مراحيض على الهواء الطلق ما يجعل الروائح لا تطاق، رغم استمرار عمليات التنظيف في كل صباح، ناهيك عن هذا كله هو الصدامات التي تحدث بين سكان العمارات والأحياء وبين بعض زوار العاصمة الذين يأتون من خارجها لأسباب مختلفة ولكن لا يجدون مكانا يقضون فيه حاجتهم خاصة في الليل والصباح الباكر والمساء.
القائمون على نظافة المراحيض: “المواطنون يفتقرون لثقافة النظافة”
من جهتهم، يؤكد العاملون في المراحيض أنهم يقومون يوميا بتنظيفها، غير أن المواطنين هم الذين يحوّلونها إلى مكان قذر رغم ضرورتها خصوصا في المدن الكبرى، وذلك من أجل تفادي ما هو أخطر، فقد قال السيد عمار عامل نظافة: “يقوم البعض بقضاء حاجتهم على الأرصفة وفي الأماكن العامة كالحدائق وغيرها، وهذا الأمر مثير للاشمئزاز، فهم يفتقرون لعامل النظافة وهو يعد السبب الرئيسي في تردي حالة المراحيض العمومية، وفي ظل غياب هذا العامل عبر مختلف الأحياء، سيثقل كاهل العديد من المواطنين خاصة منهم شريحة المرضى وكبار السن وكذا الأطفال”.
أخصائيون يحذرون من التهابات المسالك البولية
على صعيد آخر، حذّر أخصائيون في أمراض الجهاز البولي، من مخاطر المراحيض القذرة التي قد تسبب أمراضا مختلفة من أهمها الالتهاب وذلك لأنه من أكثر الأمراض انتشارا، حيث يصيب الإناث أكثر من الذكور، وتوجد عدة أشكال من الالتهاب الذي تختلف درجاته، فقد تكون خطيرة يصعب علاجها كما أنها تختلف من شخص لآخر، إذ يوجد 90٪ من حالات الالتهاب تشفى من دون مضاعفات أو تلف في الأنسجة و10٪ من الحالات تحدث مضاعفات كمعاودة الالتهاب، وقد أكدوا على مسألة المحافظة على نظافة هذه الأماكن لتفادي الوقوع فيما لا يحمد عقباه ودعوا إلى ضرورة الفصل بين مراحيض النساء ومراحيض الرجال وعدم اختلاطها، كما نصحوا النساء بأخذ كل الاحتياطات الواجبة من أجل تجنب الوقوع في بعض المشاكل الصحية بسبب ذلك، والتحاليل المخبرية والأشعة لتقييم نوع الالتهاب، وحذّروا من دخول الأطفال إلى مثل هذه الأماكن نظرا لصعوبة معرفة ما يشتكي منه الطفل في حال ارتفاع درجة الحرارة والتي تستمر لفترة طويلة.
ل. ب