قال الله تعالى: ” أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ” العنكبوت: 2؛ أي: لا يُبتلون في أموالهم وأنفسهم، كلا لنختبرنَّهم؛ ليتبين المخلص من المنافق والصادق من الكاذب. عن صهيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سـرَّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضـرَّاء صبر فكان خيرًا له” رواه مسلم. يقول ابن القيم رحمه الله: “إذا ابتلى الله عبده بشيء من أنواع البلاء، فإن رده إلى ربه وصار سببًا لصلاح دينه، فهو علامة سعادته وإرادة الخير به، ولا بد أن تقلع الشدة، وقد عُوِّضَ عنها أجلَّ عوض، وإن لم يرده ذلك البلاء إليه، بل شـرد قلبه عنه، وردَّه إلى الخلق، وأنساه ذكر ربه، فهو علامة الشقاء، وإذا أقلع عنه البلاء ردَّه إلى طبيعته وسلطان شهوته، فبلية هذا وبال، وبلية الأول رحمة وتكميل. والله الموفق”.
فقد ابتلي النبي صلى الله عليه وسلم بأنواع من الابتلاءات، فقد توفِّي والداه وهو صغير وعاش يتيمًا، وكفله جده عبد المطلب، ثم عمه أبو طالب، وطرد من أهله وعشيرته، ورُمي بالحجارة عند دعوته لأهل الطائف حتى سال الدم منه صلى الله عليه وسلم، قيل: إنه ساحر، وكاهن، وشاعر، رموه بالجنون ووضع سلى الجزور على ظهره وهو ساجد بين الركنين صلى الله عليه وسلم. المؤمن الصادق لا بد أن يبتلى ليُعْرَف صدقه من كذبه؛ لأن سلعة الله غالية، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “حُفت الجنة بالمكارة، وحُفت النار بالشهوات” رواه مسلم. يقول ابن القيم رحمه الله: “فإذا طال بالعبد البلاء، واستمرَّت به الآلام وتوالت عليه المصائب، فلا يُسيء الظن بربه سبحانه وتعالى، ويعتقد أن الله أراد به سوءًا، وأنه لا يريد معافاته، فإن ذلك جُرم عظيم وخطر جسيم، فالله الحكيم العادل بل هو الرحيم المتفضل، وما قدره الله عليك هو عين العدل؛ كما في الدعاء الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم: “ماضٍ فيَّ حكمُك، عدل فيَّ قضاؤك” رواه ابن حبان.