تحيي الجزائر، اليوم، اليوم الوطني للمسنين، وهي الفئة التي حرصت الدولة الجزائرية على حمايتها، من خلال توفير ترسانة قوانين وآليات تحمي المسن وتضمن له المكانة اللائقة به.
تولي السلطات العمومية عناية خاصة بالأشخاص المسنين، وذلك بوضع ترسانة قانونية ثرية وبرامج وطنية فعالة في مختلف المجالات، بغية حماية وترقية هذه الفئة في المجتمع. فغداة الاستقلال، اتخذت الدولة عدة إجراءات وسطرت برامج تتعلق بمختلف المجالات، كالرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية بغية ضمان رفاهية المواطن وتحسين معيشته، على غرار التدابير الرامية إلى التكفل بالفئات الاجتماعية الهشة، من بينها فئة كبار السن.
وسمحت الرعاية الصحية الشاملة في تحسين متوسط العمر، حيث تشير الإحصائيات الأخيرة إلى أن نسبة الأشخاص الذين يبلغون سن الـ 60 فما فوق، تقارب 10 بالمائة من مجموع السكان، وأن نسبة متوسط العمر فاقت 76 سنة.
وفي سياق تعزيز التكفل والمرافقة لفائدة مختلف الفئات الاجتماعية الهشة، أولى التشريع الوطني لفئة المسنين “اهتماما خاصا ومكانة لائقة” على غرار القانون رقم 10-12 المؤرخ في 29 ديسمبر 2010، المتعلق بحماية الأشخاص المسنين، والذي انبثقت عنه نصوص تنظيمية عززت التراتيب والخدمات الاجتماعية الموجهة لهذه الفئة.
وفي هذا الإطار، تحدد بعض النصوص التنظيمية، شروط وضع المؤسسات المتخصصة وهياكل استقبال الأشخاص المسنين، وكيفيات تنظيم الوساطة العائلية والاجتماعية لإبقاء الشخص المسن في وسطه العائلي، وكذا تدابير الإعانة والتكفل الخاص بالأشخاص المسنين بالمنزل.
وفي ذات السياق، اتخذت وزارة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة عدة تدابير قصد ضمان تكفل ناجع بالأشخاص المسنين، سيما، من خلال تمكينهم من بعض الامتيازات الاجتماعية، وتعزيز المرافقة النفسية، إلى جانب اعتماد آلية الوساطة الاجتماعية والأسرية كأداة فعالة في دعم اللحمة الاجتماعية والنسيج الأسري.
وفي إطار التكفل المؤسساتي، أبرزت وزارة التضامن الوطني أن هذه الشبكة المؤسساتية أنشئت لاستقبال الأشخاص المسنين البالغين من العمر 65 سنة فما فوق، المحرومين و/أو دون سند عائلي والمتواجدين في وضعية اجتماعية هشة.
وشهدت هذه المؤسسات المخصصة لاستقبال الأشخاص المسنين “تطورا ملحوظا” من سنة إلى أخرى، حيث “انتقل عددها من 3 مؤسسات سنة 1980 إلى 32 مؤسسة، ويرجع ذلك إلى سعي الدولة لتغطية مختلف جهات الوطن بهذا النوع من المؤسسات، قصد ضمان التكفل لفائدة هذه الشريحة مع التركيز على سياسة إعادة الإدماج في الوسط الأسري”.
تكفل صحي ونفسي
للإشارة، فإن دور الأشخاص المسنين، تضمن على الخصوص، تكفلا اجتماعيا، نفسيا وصحيا، يشرف عليها مؤطرون متعددو الاختصاصات (نفسانيون – أطباء- مساعدون اجتماعيون)، إلى جانب تنظيم عدة نشاطات كفتح ورشات متنوعة، بعضها تثقيفية وأخرى للترفيه وورشات في مجالات الخياطة والأشغال اليدوية والبستنة ومحو الأمية وغيرها، مع تنظيم خرجات ترفيهية للمقيمين.
وحسب الوزارة، فقد تم تسجيل تراجع مستمر في عدد المقيمين بمؤسسات استقبال الأشخاص المسنين، حيث انخفض عدد الموجودين بهذه المؤسسات من 2185 شخصا سنة 2010 إلى 1444 شخصا مقيما بهذه المؤسسات سنة 2021.
وفي هذا السياق، اعتبر ذات المصدر، أنه رغم الامكانيات البشرية والمادية والتدابير والبرامج المتخذة لضمان راحة الشخص المسن والتكفل به في هذه المؤسسات، يبقى للأسرة دور محوري في توفير الدفء العائلي.
وفي إطار مواصلة جهود الدولة في رقمنة الخدمات الاجتماعية ولإضفاء المزيد من المرونة والشفافية وتكييف الإجراءات الخاصة بحماية الأشخاص المسنين، تم إطلاق خدمة رقمية لمرافقة هذه الفئة.
حالات مخزية لكنها موجودة
آباء وأمهات غدر بهم أبناؤهم، فكانت نهايتهم دور المسنين التي جمعت عددا كبيرا من المسنين الذين لم يعرف فلذات أكبادهم معنى الوالدين وتعدوا على الطبيعة الانسانية وتعاليم ديننا الحنيف بعدما صار المجتمع غابة للوحوش الشرسة، وبعدما غاب الضمير وسيطرت المصالح الشخصية على ضعيفي النفوس.
أبناء بقلوب جافية
يتعجب كل من يسمع بابن أو ابنة رمى بوالديهما في دور العجزة لأسباب مختلفة ومبررات ليست لها أصل من الصحة والتصديق، فهناك من وجد أن الاعتناء بالوالدين أمر شاق والبعض الآخر أراد الاستيلاء على ما يملكانه خاصة المنزل، فتخلص من والديه واصطحبهما إلى دور العجزة، ويوجد من أطاع زوجته واتبع أوامرها بعدما رفضت أن تعيش بين والديه، هي قصص وحالات مختلفة نتيجتها واحدة وهي عقوق الوالدين، حيث غلبت المصلحة الشخصية على حنان وعطف وإحسان الأبناء لآبائهم، ورغم كل هذا لا يجد هؤلاء المسنين سوى الدعاء لفلذات أكبادهم بالهداية وهم يعيشون كل يوم ألما قاسيا يحكي معاناة الشوق والحنين.
معاناة في دور العجزة
تخفي دور العجزة خلف أسوارها الكثير من القصص والحكايات لآباء وأمهات صاروا غير مرغوب بهم في منزلهم، وغير مرحبين من طرف أبنائها لأسباب تعددت واختلفت حسب كل حالة جعلت نهاية من أوصى بهما الله عز وجل ورسوله الكريم يتجرعون مرارة الألم كل يوم في دور المسنين التي تحولت من دور تأوي من لا يملك منزلا أو ملجأ يأوي إليه إلى رمز لعقوق الوالدين.
لم يستطع الكثير من المسنين الذين حاورتهم “الموعد اليومي” في عدد من دور العجزة، إخفاء دموعهم وهم يروون قصصهم التي تقشعر لها الأبدان ويتساءل كل من يسمع بها عن طينة هؤلاء الأبناء وسبب قساوة وجفاء قلوبهم ضد من تعبوا وفعلوا المستحيل ليعيش أبناؤهم حياة كريمة، ليقابلوا الإحسان بالإساءة ويهون عليهم والديهم، فكان الحل الأمثل من أجل التخلص منهم هو أخذهم لدار العجزة بدل رد الخير والاهتمام بمن لا مثيل لهم في هذه الدنيا.
تعتبر دور العجزة المكان الأمثل لهذه الفئة كونها تقدم الرعاية الكافية والاهتمام المطلوب بشريحة المسنين الذين يجدون كل الظروف المناسبة للعيش من الجانب الغذائي والصحي، لكن حرقة القلب وحزن الروح قصة لن يفهمهما سواهم.
06 ملايين و7 آلاف شخص مسن في الجزائر عام 2030
توقعت أرقام الديوان الوطني للإحصائيات أن يبلغ عدد المسنين 6 ملايين و7 آلاف شخص في غضون 2030، ما يشكل نسبة 14 بالمائة من سكان الجزائر، حيث تشكل هذه النسبة اليوم 8 بالمائة.
ما يجعل إيجاد مؤسسات استشفائية متخصصة في رعاية المسنين مطلبا ضروريا، على غرار ما هو معمول به في عدة دول أخرى من أجل تجنيب المسن عناء التنقل من مكان إلى آخر لإجراء الفحوصات اللازمة، خاصة أن هذه الفئة تزداد حساسيتها تجاه الأمراض بتقدمها في السن، حيث أن فئة الشيوخ تكون معرضة أكثر للنزيف العصبي والمخي، وكذا أمراض أخرى عديدة مثل مرض السكري والضغط والقلب، وكذا الصدمات غير المعالجة في وقتها.
هذا، وقد أشارت منظمة الصحة العالمية عام 2000 إلى أن كل 100 شخص مكلف برعاية 12 شخصا مسنا، وهذا العدد تضاعف عام 2002 ليصير 24 لكل 100 شخص، وتوقعت أن يرتفع متوسط العمر لدى الجزائريين في غضون السنوات الخمس القادمة إلى 81 سنة للنساء و75 سنة بالنسبة للرجال، فرغم أن نسبة 3 في المائة من عائدات المحروقات تذهب إلى صندوق خاص لرعاية الشيخوخة والمسنين، لكن هذا لا يكفي، لذا يجب تسطير سياسة لا تقتصر فقط على الاعتبارات الصحية لكنها تشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية للتكفل بفئة المسنين.
مؤسسات صحية واجتماعية لرعاية المسنين
دعا عدد من الحقوقيين والناشطين في الجمعيات المهتمة بشريحة المسنين إلى نشر ثقافة التكافل والتراحم وإحياء القيم التربوية التي تقضي باحترام الكبير والإحسان إلى الآباء وكبار العائلة للتقليل من ظاهرة التخلي عن الآباء، إضافة إلى هذا اقترح المتحدثون انشاء مؤسسات صحية واجتماعية خاصة برعاية المسنين، مثل دور الحضانة ومراكز الراحة والمستشفيات النهارية، من أجل رعاية أكبر للمسنين، كما تكون هذه المؤسسات والمراكز أدوات مساعدة للأسر لأداء أدوارها في رعاية كبار السن.
ل. ب