في الجزائر.. المصالحة الوطنية تعطي دفعا لحقوق الإنسان
يكثر الحديث عن حقوق الإنسان وأهميتها والعمل الدولي المشترك والإتفاقات الدولية التي من شأنها ترقية وحماية حقوق الإنسان، غير أن السؤال الذي يطرح ويثير التساؤلات هو ماهية حقوق الإنسان في ظل
الأوضاع الراهنة خاصة في العالم العربي، وما هو واقعها في ظل عالم تسيره الازدواجية في المعايير.
لمياء بن دعاس
اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كنتيجة لما عرفه العالم في الحرب العالمية الثانية التي صنفت من بين أبشع حروب الإنسانية، حيث تعهد المجتمع الدولي بعدم السماح على الإطلاق بوقوع فظائع من هذا القبيل مرة أخرى، وعليه فقد قرر زعماء العالم إكمال ميثاق الأمم المتحدة بخريطة طريق تضمن حقوق كل فرد في أي مكان أو زمان، خصوصا وأنه تم تسجيل خروقات كبيرة لحقوق الإنسان خلال الحرب.
وقد كانت الوثيقة التي تبناها هؤلاء الزعماء، والتي أصبحت فيما بعد “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”، موضع نظر في الدورة الأولى للجمعية العامة في عام 1946 أين استعرضت الجمعية العامة مشروع إعلان حقوق الإنسان والحريات الأساسية وأحالته إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي “بهدف عرضه على لجنة حقوق الإنسان للنظر فيه لدى إعدادها للشرعة الدولية للحقوق”، وقامت اللجنة في دورتها الأولى، التي عقدت في أوائل عام 1947، بتفويض أعضاء مكتبها لصياغة ما أسمته “مشروع مبدئي للشرعة الدولية لحقوق الإنسان”، وبعد ذلك استؤنف العمل على يد لجنة صياغة رسمية تتألف من أعضاء لجنة تم اختيارهم من ثماني دول في ضوء المراعاة الواجبة للتوزيع الجغرافي.
للإشارة، فقد كانت لجنة حقوق الإنسان مكونة من 18 عضواً يمثلون شتى الخلفيات السياسية والثقافية والدينية، وقد قامت السيدة إليانور روزفلت، أرملة الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت برئاسة لجنة صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. واشترك معها في ذلك السيد رينيه كاسين من فرنسا، الذي وضع المشروع الأولي للإعلان، ومقرر اللجنة، السيد تشارلز مالك من لبنان، ونائب رئيسة اللجنة السيد بونغ شونغ شانغ من الصين، والسيد جون همفري من كندا، ومدير شعبة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الذي أعد مخطط الإعلان. ومع هذا، فإنه كان ثمة تسليم بأن السيدة روزفلت كانت بمثابة القوة الدافعة وراء وضع الإعلان.
..بين المساواة وازدواجية المعايير
يعتبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بمثابة نقطة تحول كان لها صدى إيجابي لدى الدول والشعوب على حد سواء لما يحتويه على مواد وشرائع تكفل وتضمن حقوق الشعوب والناس من كل المظالم، خصوصا وأنها تقوم على مبادئ عالمية والتي أصبحت فيما بعد نبراسا تقتدي به الدول في العالم في العديد من الاتفاقيات والمعاهدات التي جاءت فيما بعد لترسخ وتجذر فكرة حقوق الإنسان، كالعهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية لسنة 1966 والاتفاقية الدولية لحقوق الطفل والمرأة مثلا.
وتجدر الإشارة إلى أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هذا و رغم الشعارات التي تبناها والرامية إلى نبذ العنف وكل أشكال التمييز واللامساواة لم تسلم من الانتقادات التي طالتها، خصوصا من الأكاديميين الذين أعابوا فكرة “العالمية” المنضوية تحت هذا الإعلان، خصوصا وأن التاريخ الذي جاءت فيه أي 1948 كانت أغلب شعوب “العالم الثالث” واقعة تحت الاستعمار الأجنبي وتعاني من أبشع صور الاستغلال والظلم، ناهيك عن الذي يحصل اليوم من خروقات وانتهاكات لحقوق الإنسان في العديد من الدول التي تقودها الدول المتحضرة التي كانت السباقة لاعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي ترفع شعارات نصرة المظلومين في العالم وتحريرهم من الجهل والبدائية، وهي اليوم تمارس العنف بعينه وتقود حملات التقتيل والتنكيل باسم حقوق الانسان، الديمقراطية والتدخل الإنساني ونشر رسائل التحضر، وهنا نلمس الدور الذي تلعبه القوى العظمى على غرار الولايات المتحدة الأمريكية المتخذة “لشرعيتها الدولية” من مقعدها الدائم في الأمم المتحدة وحقها في النقض غطاء للتستر على انتهاكاتها في العراق و أفغانستان اللذين أصبحا من بين أفشل الدول والأقل استقرارا، ناهيك عن صمتها على الآلة الاستعمارية الإسرائيلية في فلسطين، وهو ما يضع حقوق الإنسان العالمية محل تساؤل حول مصداقيتها ودعوتها للمساواة بين جميع الشعوب والناس من جهة، وبين ازدواجية المعايير التي تتبناها الدول الكبرى في مجال حقوق الإنسان وتكييفها مع ما يخدم مصالحها.
البعد الديني لحقوق الإنسان
يعد مفهوم حقوق الإنسان تلك المعايير الأساسية التي لا يمكن للناس من دونها أن يعيشوا بكرامة كبشر، وهي أساس الحرية والعدل والسلام والتي من شأنها إتاحة فرصة تنمية الفرد والمجتمع تنمية كاملة وتتعدد بين حقوق مدنية وسياسية، حقوق اقتصادية واجتماعية وحقوق ثقافية، بيئية وتنموية، ولعل حقوق الإنسان التي أصبحت من بين أهم المواضيع تأصلا في حياة الإنسان وأكثرها تداولا على الساحة العالمية، ويعد موضوع حقوق الإنسان في الوطن العربي من أكثرها تداولا وطرحا وأكثرها إثارة للجدل.
ولا يمكن أن يتم الفصل بين الدين وحقوق الإنسان في العالم العربي وذلك لوجود أغلبية مسلمة تستند في تشريعاتها على الإسلام كمرجع لها في سن القوانين وتطبيقها، إذ لا يمكن مثلا اعتماد نصوص اللوائح الدولية فيما يتعلق بالميراث أو الطلاق في بلد تمثل الأغلبية فيه الإسلام، وهي الخانة التي يمكن وضع الجزائر فيها فيما يتعلق بمصادقتها على الاتفاقيات الدولية مع تحفظها على المواد التي تتنافى والشريعة الإسلامية باعتبارها الأساس الذي تقوم عليه تشريعاتنا، وهو الأمر ذاته بالنسبة للعديد من الدول العربية المسلمة.
حرية التعبير والرأي أهم الحقوق المغيبة
ويرى الخبراء والإعلاميون العرب أن حرية التعبير والرأي تعد من أهم الحقوق المغيبة في الوطن العربي، والدليل على ذلك هو العدد الكبير للمساجين السياسيين والصحفيين في الوطن العربي، ولعل رياح التغيير التي عرفتها الدول العربية خلال السنوات الأخيرة تحت ما يعرف بالثورات العربية كشف ما كان “مستورا” في واقع عربي بعيد كل البعد عن الحرية و الديمقراطية وكرامة الإنسان التي انتهكت بشكل صارخ سواء داخل بلدانهم أو في الملاجئ التي خُصصت لهم.
حروب.. صراعات.. وشتات عربي
تعرف ساحتنا العربية قضية لطالما كانت قضية قومية ولكنها عرفت تدهورا في السنوات الأخيرة، إنها القضية الفلسطينية التي ولدت أبشع الصور التي رسمها الاستعمار الإسرائيلي من خلال واقع أسود لوضعية الإنسان الفلسطيني الذي لم تعد حقوق الإنسان تعنيه في شيء بعدما استبيح دمه وعرضه وأرضه وشتت الباقي من شعبه، ولعل الصورة الثانية التي رسمت في بعض الدول العربية هي صورة دموية وبشعة التي راح ضحيتها آلاف من الشباب، ناهيك عن الوضعية التي لا تزال مستمرة إلى يومنا هذا في اليمن وليبيا.
الجزائر.. خطوات متتالية لتحسين واقع حقوق الإنسان
وإذا ما قارنا الوضعية في الجزائر مع دول عربية جارة وصديقة، فإننا سنلاحظ فرقا شاسعا إلا أن هذا لا يعني بأننا قد بلغنا قمة احترام حقوق الإنسان التي تبقى شرطا و مطلبا يجب على كل الدول العمل من أجل تحسينه والرفع منه.
حيث أكد حقوقيون جزائريون أن “وضعية حقوق الانسان بالجزائر تخلصت نهائيا من قبضة الفكر الأحادي”، حيث أن “كل الدساتير الجزائرية استجابت للإعلان العالمي لحقوق الانسان”. ويعتبر الحقوقيون الجزائريون أهم ما تحقق في ملف حقوق الإنسان بالجزائر هو تخلصها نهائيا من قبضة الفكر الأحادي لاسيما تلك الممارسات التي سجلت خلال سنوات العشرية السوداء. وصرح الأستاذ بن ايسعد في هذا الصدد: “نحن كحقوقيين مرتاحون لانتهاء الممارسات التي كانت ترتكب خلال سنوات الحرب على الارهاب”، ويرى من جهة أخرى أن “استمرار قانون حالة الطوارئ لمدة 17 سنة قبل أن يرفعه رئيس الجمهورية سنة 2011 أعاق ممارسة وتطوير وضعية حقوق الانسان خلال هذه الفترة لاسيما ما تعلق بالحق في التظاهر”، مضيفا أن “هذا القانون الاستثنائي منع أيضا من تنظيم الطبقة السياسية والمجتمع المدني بصفة عامة وتربية النشء على السلوكات التي تجسد الاعلان العالمي لحقوق الانسان”، وأكد الأستاذ بن ايسعد أن “أوضاع حقوق الإنسان بالجزائر حسنة مقارنة بما هو موجود هنا وهناك ببعض الدول، حيث لم تسجل بالجزائر حالات لاعتقال تعسفي للصحفيين أو السياسيين والحقوقيين”. وأوضح رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الانسان أن “كل الدساتير الجزائرية خاصة دستور 1989 والدساتير التي جاءت بعده استجابت لميثاق الاعلان العالمي لحقوق الانسان”، غير أن تطبيقها لم يتجسد ميدانيا – على حد قوله – من خلال استمرار أزمة السكن والبطالة وسوء توزيع الثرواث على المواطنين. وأشار نفس المتحدث إلى أن “وجود بعض القوانين أعاق تجسيد بعض المكتسبات التي جاءت بها الدساتير الجزائرية كمبدأ الفصل بين السلطات والتوزيع العادل للثرواث”، ودعا الأستاذ بن ايسعد بهذه المناسبة السلطات العمومية إلى “تعزيز حقوق الانسان بالجزائر من خلال التعديل الدستوري القادم”، وذلك كما قال “بتكريس مبدأ الفصل بين السلطات وتعزيز استقلالية القضاء والتوزيع العادل للثرواث والتخلص من اقتصاد النفط وتجسيد مبادئ الحق في العمل والسكن والصحة لجميع أفراد الشعب الجزائري”.
المحامي عزي مروان:”سياسة المصالحة الوطنية أعطت دفعا قويا لحقوق الإنسان في الجزائر”
أكد عزي مروان، رئيس خلية المساعدة القضائية لتطبيق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، أن قانون المصالحة أعطى دفعا قويا لمجال حقوق الإنسان في الجزائر، ما جعل الكثير من الدول تحتذي بتجربتها في مكافحة الإرهاب وإحقاق السلم والأمن الدائمين.
وأضاف المحامي أن الجزائر قطعت أشواطا طويلة في مجال ترقية وتطوير حقوق الإنسان، من خلال استحداث العديد من القوانين، التي تدخل في إطار إحلال السلم، على غرار قوانين الرحمة والعفو، التي سبقت قانون المصالحة الوطنية الذي يعد مرجعا هاما في مجال الحقوق.
وأكد عزي أن ميثاق السلم والمصالحة الوطنية أعطى دفعا قويا لمجال حقوق الإنسان في الجزائر، نافيا أن يكون القانون قد كرس سياسة اللاعقاب كما يدعي البعض، مؤكدا أنه ساهم في حل العديد من القضايا المتعلقة بتطوير حقوق المواطن.
أما ما يُثار حول إلغاء عقوبة الإعدام في إطار تحسين حقوق الإنسان، صرح المحامي أن إلغاء العقوبة كليا قد تكون نتائجه وخيمة، وهو ما يتنافى مع الدين الإسلامي، مشيرا إلى أن الأطراف الداعية إلى ذلك تحمل فكرا غربيا ولا صلة لها بالإسلام.
وأضاف في ذات السياق، أن الدستور الجزائري يستمد تعاليمه من الدين الإسلامي، الذي يعتبر دين الدولة، وهو ما تنص عليه المادة الثانية، مردفا أن إلغاء العقوبة قد يتعارض مع كثير من القوانين التي تعتمدها الجزائر، مثل قانون الأسرة الذي يستمد مواده من الدين الإسلامي.
وأورد ذات المتحدث أن مجال حقوق الإنسان في الجزائر، شهد تقدما ملحوظا رغم بعض النقائص، وهو ما أفضى إلى انتخاب 150 دولة الجزائر للعضوية في مجلس حقوق الإنسان الأممي، وطلبت سبع دول للاستفادة من خبرتها في مكافحة الإرهاب وتحقيق المصالحة، وذكر من بين الدول تونس، مالي، ليبيا، وغيرها.
وبخصوص ملف ضحايا الإرهاب، قال عزي إن خلية تطبيق المصالحة الوطنية، طالبت بعدة إجراءات لرد الاعتبار والتكفل الأمثل بالفئة، مؤكدا أن الخلية دعت الجهات الوصية إلى عدم إلغاء المنحة، بعد بلوغ سن التقاعد أو بلوغ سن الرشد بالنسبة للأطفال، والمطالبة برفع المنحة حسب ظروف المعيشة الحالية.
كما تطرق المحامي إلى العديد من الملفات التي أدرجت في إطار ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، وكشف أن حوالي 90٪ من العائلات تمت تلبية مطالبها بخصوص تحديد ضحايا الإرهاب، الذين توجد عوائق في التعرف إليهم لاسيما الأطفال المولودين في تلك الفترة عن طريق الزواج العرفي.