قصة قصيرة

امرأة غير عادية…!!

امرأة غير عادية…!!

ليس تمنّعها عنه، ولا إلتواءات في وشاح تصرفاتها تجاهه، إلا عنوانا لبعثرة أفكار مطوقة بقالب الخيبة، وزفرات آنية من رمضاء حاضرها الممل، سعت لأن تقذفها براكين مهجتها المضطرمة خارجا، لكن استصعبت عليها المسالك، وتشردت في شارع الحيرة الذي لا يرحم! ..حاولت أن ترخي في حضرته جدائل مشاعرها، وتحتضنه بأناملها الرقيقة، لكن أمسى الخصام وحده هو المحطة التي ركن إليها قطار حالهما المترهل، والفجوة التي ابتلعت بمغاورها حبل التواصل بينهما.

الأديبة زهرة..! كم باتت تكره هذا الإسم الذي ظل لصيقا بشخصها كما ورما خبيثا، تكاثرت تحت كنهه جراثيم تعاستها، وتميزت به عن غيرها من بنات جنسها من الجارات والقريبات! كم تمنت أن ترميه في حاويات عيونهم الماكرة، قرار اعتزالها من دنيا الأدب المقيت، وتنادي بأعلى صوت أن قد أمسيت امرأة عادية، تدس كتاب الطبخ في درج خزانتها لتجهز لحبيبها أحلى العصائر، وأشهى الأكلات، وتجيد توضيب البيت، بدل الكلمات المزخرفة!! وكل الرفوف الشاغرة، قد سدت ثغرات مساحتها بألوان من الصور، والورود البلاستيكية .

أجل !لقد أصبحت زهرة امرأة عادية، وحررت خصلات شعرها الحريرية من أنياب ذلك الماسك المقرف، فتدلت على كتفيها كأمواج البحر الهادئة، تحت وجه القمر! خذوا شهاداتكم التقديرية وأوسمتكم اللامعة، وحقائب تصفيقاتكم! فقط.. دعوها وشأنها .

لكن إحساسا ما، كان يلجم لسانها، ويحنط في صناديقه المقفلة كل ما أنجبت أفكارها من حروف صاخبة، وأخرى مرصعة كلآلئ مغرية!

قطعا، تعرف أنها لن تعانق يوما أملها المنشود في أن تنفض عن رموشها أغبرة المعاناة، وتطفو على سطح الواقع كامرأة بين النساء العاديات، وتتلفع بثوب الهدوء والأمان…! وتعرف أيضا، أن هدهدة المستحيل في مهد السراب، ليس إلا ضربا من الخبل في صحارٍ جرداء قاحلة !!

تتسرب الدقائق من قبضتها، وما زالت تتقافز نظراتها صوبه، وهو ملقى على سرير من الإهمال، وقد سقطت من على رأسه طاقيته السوداء! لم تكن لظى أنفاسها في زمن عابر، لتطبع آثر أحمر شفاهها الغامق، إلا على شرفته الزمردية، ذلك الحبيب المضمخ جوفه بالسحر، فتشعر بنوع غريب من الارتياح!! تواصل تقزيم المسافة بخطى متمردة، لا مجال للتردد فما عاد يفصل بينهما إلا القليل! ذئاب الشوق تعوي بزوايا قلبها، فتنفر منها ظباء السكينة، ترمي بها اللهفة إليه، تتحسس وجهه الأملس براحتها المرتعشة، فترتسم صورة لها معه في إطار من السعادة!! تتذكر مجدها، وشهرتها الواسعة بحجم السنوات الماضيات، والجمهور العاشق يحيّيها وهي تتمايل على إيقاع تصفيقاته ..!!

الأديبة زهرة..!! كم باتت تحب هذا الاسم، كم باتت تحبه..!!

وفجأة، تتلقفه ذلك الأزرق النائم كطفل بريء! تمطره بوابل من القبلات، وقد انهمرت عيناها بدموع الاشتياق والحنين، وهي تردد:

اشتقت إليك أيها القلم الحبيب… اشتقت إليك..!!

 

ن. فدوى