أصبحت مظاهر الأطفال الباعة لمختلف المواد الغذائية مثل خبز المطلوع (الخبز التقليدي بالسميد) والبقدونس مشاهد عادية تقريبا في جميع مدن الجزائر، حيث يصبح هؤلاء الأطفال بدافع الاحتياج يتصرفون كالكبار من أجل مساعدة عائلاتهم خلال شهر رمضان.
في هذا الصدد تسمع الطفل أمين الذي لم يتجاوز الـ 10 سنوات ينادي بأعلى صوته “مطلوع سخون”، “مطلوع سخون” وذلك من أجل جلب زبائنه المارة على مستوى حي المحمدية بشرق الجزائر العاصمة، حيث يحاول هذا الصغير بابتسامته البريئة مرتديا قبعة للاحتماء من أشعة الشمس تسويق جميع “منتوجه” من أجل تحصيل أكبر قدر ممكن من الدنانير.
ويقول في هذا الخصوص “ليس لدي أي خيار، إذ يجب عليّ العمل لمساعدة أهلي لأننا محتاجون، ولكون مداخيلنا المتواضعة لا تكفي إلا لشراء الخبز والحليب”.
أما “رحيم” و”سامي” (11 و13 سنة)، فالمنافسة بينهما محتدمة من أجل الوصول إلى الزبائن، حيث يبيع أحدهما الكزبرة والبقدونس، أما الآخر فيبيع قلب اللوز (الحلوى الشرقية) بباب الزوار، وهي المواد التي تجد رواجا كبيرا خلال شهر رمضان المعظم سيما مع كأس شاي بالنعناع.
ومع أن الصبيين يتشاجران طوال الوقت لكن دون أن يغيب الزبائن عن ناظريهما ما دام شعارهما هو بيع “كل البضاعة”، حيث أسرّا بكل براءة “إننا نمرح ونربح بعض الدنانير في ذات الوقت”.
من جهة أخرى، يجد “مختار” الذي تعب من كثرة الوقوف مع تثاؤبه المستمر، صعوبة التحكم في كثرة الزبائن الذين يتزاحمون على دكان والده، حيث يتركه هذا الأخير لوحده محمّلا هذا “الرجل الصغير” مسؤولية ضخمة.
في حين يجتهد شعبان (12 سنة) على مستوى سوق بوغني (تيزي وزو) في جر عربته المكدسة بالخس الطازج القادم من بستانه، وهو يحاول شق طريقه بصعوبة وإيجاد مكان له باستحياء وسط الباعة المتمرسين للخضر والفواكه مع أنه لا يجد الترحيب منهم.
ويقول هذا الطفل الصغير إنه من الضروري بالنسبة له المجيء إلى السوق لتصريف بضاعته من أجل مساعدة أسرته، مضيفا “ليس بيدي حيلة، كان بودي أن ألعب وأمرح مثل جميع أقراني”.
أما “محمد” الذي يرافق والده دائما إلى الحقل، فلم يبدأ بعد في الاستمتاع بحضوره عند رؤية هذه المناظر الجميلة حتى يناديه والده من أجل مساعدته في جني الفول، أما في المساء فيكون منهكا للغاية ويجد صعوبة حتى على الوقوف بعد أن أخذ التعب منه مأخذه.
تأثيرات نفسية
من الصعوبة بمكان معرفة ما إذا كان هؤلاء الأطفال يعملون لمساعدة عائلاتهم التي تعاني من الفاقة أو لربح بعض المال لحسابهم الخاص أو يقومون به تحت الضغط والإكراه.
في هذا الصدد، فإن القانون المتعلق بالطفل المؤرخ في 15 جويلية 2015 واضح وصريح، حيث ينص على أن الأوضاع التي تعرض الطفل للخطر هي الاستغلال الاقتصادي للطفل سيما تشغيله أو إكراهه على عمل يمنعه من مواصلة دراسته أو يضر بصحته وراحته الجسمية و/أو النفسية.
وأكدت السيدة إيناس نقاوي المختصة النفسانية ومسؤولة خلية الاستماع للشبكة الوطنية للدفاع عن حقوق الطفل “ندا”، أن هؤلاء الأطفال يعملون حسب الحالات إما لربح بعض المال دون إكراه من أجل الحصول على أشياء فخمة (هواتف نقالة وذكية وأحذية رياضية ذات نوعية)، وإما لمساعدة أهاليهم الذين يعانون من الفاقة.
وأضافت أن “هؤلاء الأطفال غالبا ما يقعون ضحايا للخلافات العائلية سيما الطلاق أو أب معاق أو أم لا تعمل، مما يدفعهم لكي يصبحوا أرباب عائلات”، مؤكدة أن هذه الوضعية تترك فيهم أثارا نفسية عميقة.
كما أشارت ذات المختصة النفسانية إلى أن هذه الوضعية “الشاذة” تخلق اضطرابات نفسية وعقلية لدى الأطفال، مسببة لهم ضعفا في التركيز ومشكلا في اللغة ومشاكل صحية لأنهم لا يأكلون ولا ينامون بالشكل الكافي.
وبالتالي، فإن هؤلاء الأطفال -تضيف السيدة إيناس نقاوي- سيقعون “فريسة سهلة” للفشل والتسرب المدرسي والجنوح، مؤكدة أنهم يتعرضون على الدوام لأخطار اعتداءات جسدية وجنسية خلال “عملهم”.
التعود على كسب المال يعيق توجيههم
وتأسفت في هذا السياق قائلة “إنه إذا أردنا توجيههم نحو تكوين بعد فشلهم مدرسيا، فإنهم لا يريدون ذلك لأنهم أصبحوا متعودين على كسب المال دون الحصول على تكوين، كما يمكنهم أن يغوصوا في مختلف الأوساط سيما عالم المخدرات الخطير”.
وعموما، فإن 70 % من الأطفال المستغلين اقتصاديا في السوق الموازية يمارسون نشاطا تجاريا كباعة للخضر والخبز والسجائر.
وعلى الرغم من تصديق الجزائر على الاتفاقية الدولية المتعلقة بحقوق الأطفال وكذا أهم المعاهدات الدولية ذات الصلة، منها تلك المتعلقة بالسن الأدنى لممارسة العمل، حيث تتلقى الهيئة الوطنية لحماية الطفولة يوميا عبر رقمها الأخضر “11-11” ما بين 3 إلى 4 حالات استغلال اقتصادي للأطفال.
ل. ب