بسبب التخوف من التحريم  وانعدام ثقافة التبرع…. تعطل آلاف عمليات زرع الأعضاء

بسبب التخوف من التحريم  وانعدام ثقافة التبرع…. تعطل آلاف عمليات زرع الأعضاء

تعد عمليات زرع الأعضاء البشرية بمثابة الحل الأكثر نجاعة لعلاج عدد كبير من الأمراض التي يكون فيها العضو البشري غير قادر على العمل، لكن رحلة البحث عن “قطع الغيار البشرية” ليست بالأمر السهل خاصة في

الدول العربية وعلى وجه التحديد في الجزائر.

وتعتبر عمليات زراعة الأعضاء من مظاهر تطور العلوم الطبية الحديثة في علاج الأمراض، وذلك عبر نقل عضو من انسان حي أو ميت إلى شخص آخر يعاني من مرض يتطلب عضوا مُتبرَعا به. لكن في بلد كالجزائر، حيث ثقافة التبرع بالأعضاء تكاد تكون منعدمة، يعاني الآلاف من المرضى في صمت في انتظار كلية أو قرنية عين أو قلب يعيد لهم نبض الحياة.

 

الجزائر تحتل مراتب متأخرة في عملية التبرع بالأعضاء

وتحتل الجزائر مراتب متأخرة في عملية التبرع بالأعضاء، وهو ما يطرح تساؤلات حول عزوف المواطن الجزائري عن التبرع بأعضائه، خاصة وأن الدولة لم تفكر إلى حد الساعة في إنشاء بنك للأعضاء البشرية على غرار ما هو معمول به في باقي الدول التي يتبرع سكانها بأعضائهم للاستفادة منها بعد مماتهم.

ومسألة نقل وزراعة الأعضاء تتفرّع إلى مسائل متعدّدة، منها نقل وزرع العضو من انسان حيّ إلى مثله، ونقل وزرع العضو من انسان ميت إلى حي، والجزائر تعرف كغيرها من الدول العربية شبه غياب لثقافة التبرع بالأعضاء، الأمر الذي يساهم في تكريس معاناة شريحة كبيرة من المرضى الذين ينتظرون منقذا قد يأتي.

 

الجزائريون بين التخوف من الحرمة وانعدام ثقافة التبرع

عبرت في هذا الخصوص الطالبة “خديجة”، سنة رابعة تسيير واقتصاد من جامعة الجزائر- 3- عن عدم تقبلها للفكرة من منطلق أنها ليست مستعدة نفسيا للتبرع بأعضائها، وأشارت قائلة: “هذه الظاهرة جديدة بالنسبة لي، سمعت عنها من خلال مشاهدة بعض الأفلام فقط. وأعتقد بأنها تحتاج إلى تفكير معمق واستشارة أهل الدين”.

ولم تنكر زميلتها “عقيلة”، أنه يصعب عليها هي الأخرى تقبل التعهد بالتبرع بأعضائها، وأضافت أنها قد تغير رأيها إذا ما ثبت أن هذه الظاهرة المنتشرة في الغرب مباحة شرعا.

من جهته، أوضح “ياسين” طالب سنة رابعة بقسم إعلام واتصال أنه يرفض الفكرة خشية أن تتحول أعضاؤه إلى مواد تجارية، مؤكدا أنه قد يقبل في حالة ما إذا تعلق الأمر بأحد الأهل والأقارب.

وعلى خلاف ذلك، قال زميله الطالب ماسينيسا من نفس القسم: “أنا لن أتوانى عن الإقدام على مثل هذا العمل الانساني الذي من شأنه أن ينقذ أرواح الآخرين بعد موتي أو يخفف عنهم معاناة المرض، خاصة وأنني أريد أن أكسب الحسنات”.

كما يتفق الطالبان رضوان وإبراهيم، سنة أولى علم المكتبات، على أنهما لا يمانعان من أن يتبرعا بأعضائهما البشرية للغير، انطلاقا من فكرة أنهما قد يكونان ذات يوم في موقع الأشخاص الذين يحتاجون إلى أعضاء.

وبالمقابل، أجاب كل من السيد سليمان ومحسن، موظفان في مؤسسة عمومية، بأنهما لم يسمعا عن قضية التبرع بالأعضاء البشرية من قبل، وأن موقفهما يتوقف على معرفة رأي الدين أولا، فيما ذكر الشاب “مراد. د” تقني سامي في الإعلام الآلي، أنه لم يقتنع بهذه المسألة بعد، ففي الوقت الذي كثر فيه الترويج لقضية التبرع بالأعضاء البشرية من طرف العديد من الأطباء الذين يشجعون فكرة التبرع بعد الموت وقبله أيضا، من منطلق أنه يمكن التبرع بكلية لشخص آخر دون أن يؤثر ذلك على صحة الفرد الذي ما يزال على قيد الحياة، فأنا أعتقد أن معركة الإقناع تتطلب من الدعاة الذين ينادون بالتبرع أن يكونوا قدوة للغير لتطمئن قلوب الناس”، يضيف محدثنا.

ويقول الأستاذ حكيم من جامعة بوزريعة: “أنا أرفض التبرع إطلاقا، لأن المسألة تطرح سؤالا مهما هو: ما مصير الأعضاء المتبرع بها؟ فلا شيء يضمن لي أن تكون من نصيب الأشخاص الذين يحتاجونها فعلا”. ويضيف موظف في قسم علم الاجتماع بجامعة الجزائر: “يمكنني أن أقدم على هذا الأمر وأنا على قيد الحياة، أما بعد الموت فمستحيل.. أريد أن أنام في قبري جسدا كاملا، إذ لا أتصور نفسي مجرد أشلاء”.

 

الباحث الاجتماعي اسماعيل – ق -:”ظاهرة العزوف عن التبرع بسبب الاعتقاد السائد بحرمة التبرع”

ويعتبر الباحث الاجتماعي اسماعيل .ق ظاهرة العزوف هذه مردها إلى العامل الديني، حيث يسود الاعتقاد بحرمة التبرع. إضافة إلى هذا هناك عامل ثقافي، ففي المجتمعات العربية لم تنتشر بعد عادة التبرع بالأعضاء”.

ويفسر اسماعيل. ق الرقم الضئيل في عدد العمليات “بأننا مجتمعات لم تبلغ بعد المرحلة العلمية، فالعلم يعتبر مسألة ثانوية في تفسير حياتنا اليومية”. وترفض العائلات الجزائرية التصرف في جثت أفرادها بالرغم من أنهم قد يكونون عبروا قيد حياتهم عن رغبتهم في التبرع بأعضائهم بعد الوفاة، ويفسر هذا الرفض باعتقاد الناس بأن الجسد مقدس وهو ملك لله وكذا إيمانا منهم بالحياة الثانية بعد الموت، وأي تصرف في هذا الجسد فهو يعرض مستقبل صاحبه للخطر في الآخرة، وهو أمر مغلوط. فما دام هناك إيمان بالروح فإن الجسد لا يعدو أن يكون شيئا ثانويا.

 

 

علماء الدين:”يجوز التداوي بنقل الأعضاء لاعتبار ذلك ضرورة تبيح المحظور”

اختلف العلماء المعاصرون في حكم نقل الأعضاء من الشخص الميت أو الحي وزرعها في الانسان الحي إلى قولين. قول بالجواز وقول بعدمه، والقول بالجواز صدر في عدد من المؤتمرات والمجامع والهيئات واللجان منها، المؤتمر الإسلامي الدولي المنعقد بماليزيا سنة 1969، والذي خلُص إلى جواز نقل الأعضاء بشرط الضرورة ونصّ على حرمة المتاجرة بالأعضاء الآدمية. ومجمع الفقه الإسلامي المنعقد بمكة المكرمة سنة 1985، والذي خلص إلى جواز نقل الأعضاء. وهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية سنة 1982، حيث قرّرت بالأكثرية جواز نقل عضو وجزئه من انسان ميّت إلى مسلم إذا اضطرّ إلى ذلك. ولجنة الفتوى في كلّ من المملكة الأردنية الهاشمية ودولة الكويت سنة 1985 وجمهورية مصر العربية سنة 1989، حيث أفتى مفتي الجمهورية بالجواز.

والجمهورية الجزائرية كانت سبَّاقة في البحث في هذه المسألة الحديثة، حيث صدرت فتوى بجواز نقل وزرع الأعضاء من ميت إلى حي عن لجنة الإفتاء للمجلس الإسلامي الأعلى بتاريخ 20 أفريل 1972 واشترطت رضا المنقول منه ما لم يكن ميتاً، فلوليّ الأمر الحق في أن يأذَن بالنّقل.

وقال الشيخ عبد الكريم إمام وخطيب:”أنه يجوز زرع الأعضاء وأدلة القائلين بالجواز تتمثّل في قوله تعالى: ”إنّما حرَّم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أُهِلَّ به لغير الله فمَن اضْطُرّ غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم”. وقوله تعالى: ”فكُلوا ممّا ذُكر اسمُ الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين ومالكم ألاّ تأكلوا ممّا ذُكر اسم الله عليه وقد فصَّل لكم ما حرّم عليكم إلاّ ما اضطررتُم إليه…” وغيرها من الآيات الكريمة الّتي اتّفقت على استثناء حالة الضرورة من التّحريم المنصوص عليه، والانسان المريض إذا احتاج إلى نقل العضو فإنّه سيكون في حكم المضطرّ. وقوله تعالى: ”ومَن أحياها فكأنّما أحيَا النّاس جميعاً”. وقوله سبحانه: ”يُريد الله بكم اليسر ولا يُريد بكم العُسر” وغيرها من الآيات الّتي تدل على أنّ مقصود الشارع التيسير لا التّعسير”.

وقال الإمام بضرورة إذن الشّخص بتبرّعه بأعضائه قبل موته، أو إذن وليه وورثته بعد موته، وكذلك وجوب توفّر القيود والضوابط، كالتحقّق من موت الشخص وغيرها.