بعد أن ظلت لسنوات قبلة الزوار من جميع الطبقات “سوق واد كنيس بالعاصمة”… تراجع في النشاط مع محافظة دائمة على الشهرة

بعد أن ظلت لسنوات قبلة الزوار من جميع الطبقات “سوق واد كنيس بالعاصمة”… تراجع في النشاط مع محافظة دائمة على الشهرة

عرفت تجارة الخردوات بوادي كنيس في العاصمة، تقهقرا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة، بعد أن ظلت – ولوقت طويل – قبلة العائلات من أصحاب الدخل الضعيف الراغبة في تأثيث منازلها بأسعار معقولة، أو للمهووسين

الباحثين عن التحف القديمة التي يجدونها بأسعار زهيدة، حيث تراجع عدد الدكاكين المتخصصة في بيع الخردوات والتحف الفنية في هذه السوق.

واشتهر سوق وادي كنيس باصطفاف محلات بيع الخردوات مُشكلّة بذلك مركزا مفتوحا يستقبل المواطنين الراغبين في الشراء والبيع أيضا، ما يجعل الحركة دؤوبة بهذه السوق التي تعتبر من أشهر الأسواق الشعبية وعلى مدار سنوات خلت، حيث يتوافد المواطنون على هذه السوق من مختلف ولايات الوطن وجهاته الأربع، وحتى من خارج الوطن، حيث يعد مقصدا للأجانب المهووسين بالتحف الفنية النادرة والتي تتواجد في هذه السوق، ويؤكد التجار في هذه السوق أن بعض القطع بيعت بآلاف الدينارات كونها تعود إلى حقبة زمنية قديمة، على غرار لوحة جدارية أصلية تعود إلى عام 1940، بيعت بـ60 ألف دينار، وساعة حائطية تعود إلى عهد لويس الرابع بيعت بـ100 ألف دينار.

ويجد الزبائن من مختلف الطبقات الاجتماعية ضالتهم في وادي كنيس، فالبعض يشتري عدة أشياء بأقل من 1000 دينار، منهم مثلا الأزواج الجدد محدودي الدخل ممن يبحثون عن أقل الأسعار لتأثيث منزل بكامله، في حين هناك من يدفع الملايين مقابل التحف الفنية، حيث تجد داخل دكاكين واد كنيس مختلف مقتنيات البيوت، بل قد تعثر على تأثيث كامل لغرفة نوم وغرف المعيشة ومستلزمات المطبخ بأسعار معقولة جدا، قد لا تتجاوز 30 ألف دينار بالنسبة لطقم صالون، ولا تتعدى 50 ألف دينار بالنسبة لغرفة نوم كاملة، كما يمكنك العثور على طاولات وأباريق وثريات عريقة قد يعود تاريخها إلى القرن الـ18 بأثمان متفاوتة تتراوح بين 1000 و3 آلاف دينار.

 

غلق بعض الدكاكين أدى إلى تراجع النشاط

ويؤكد تجار محلات الخردوات بوادي كنيس تراجع نشاط السوق كثيرا، بسبب غلق الكثير من الدكاكين لأسباب مختلفة، فقبل حوالي أكثر من 10 سنوات، كانت سوق وادي كنيس تضم ما يقارب 40 دكانا متخصصة كلها في بيع الأشياء القديمة، إلا أن بناء ملحقة إدارية تسبب في غلق بعض المحلات في الجهة الشرقية للسوق، ناهيك عن دخول بعض المتطفلين عليها الذي غير وجهها أيضا، ونقصد هنا باعة يتاجرون في كل شيء بما في ذلك أجهزة كهرومنزلية وكتب مدرسية وحتى أحذية رياضية وغيرها.

ويؤكد أحد التجار تراجع مبيعات سوق الخردوات في المدة الأخيرة، مقارنة بما كانت عليه في السنوات الماضية، حينما كانت دكاكين بيع الخردوات تعج بالزبائن الباحثين عن أثاث بثمن معقول، أو تحف فنية بأسعار زهيدة، يقول: “حتى “الزَوالي ” بات يترفعْ عن الأشياء وأسعارها، فإذا كنت أعرض “كنبة” بسعر 700 دينار فكيف له أن يطالب بإنقاص سعرها أكثر؟ أضف إلى ذلك أن 70 % من ميزانية الفرد الجزائري تتجه إلى الاستهلاك عوض إنفاق المال في شراء الأثاث، أو أشياء قد يراها غير ضرورية، مثل تحف الديكور المنزلي”.

من جهته، قال السيد محمد -الذي يبدو أنه من العارفين بخبايا الخردوات وسوقها-: “التاجر والزبون يتحينان الفرص إما للشراء أو للبيع، مثلما حدث معي، حيث اكتشفت أنني اشتريت ثرية تعود إلى العهد الاستعماري، موقعة باسم صاحبها بسعر 500 دينار، في حين أن سعرها في سوق التحف النادرة قد يصل إلى 65 مليون سنتيم”، أما بالنسبة لاقتناء الأثاث القديم، فالفكرة في حد ذاتها لم تعد تستهوي المواطنين لسببين -حسب ذات المتحدث- فالجميع يبحث عن التغيير والتجديد وهو سبب وجود أثاث في حالة جيدة داخل محلات السوق أحيانا، ومن جهة أخرى اجتياح المنتوج الصيني بكل أنواعه وبأسعاره الزهيدة السوق الوطنية، بالرغم من تدني نوعيته، أثّر على شراء الخردوات كونها قديمة حسب تفكير البعض. وتابع المواطن بقوله بأن أغلب الزبائن المُترددين على هذه السوق لا يدرون ماذا سيشترون .. يُعاينون هذا وذاك ويسألون عن الأسعار.

 

تراجع النشاط لم يحد من إقبال المتعودين والفضوليين أيضا

هناك من المواطنات من أكدن زيارتهن الدائمة وشبه اليومية لهذه السوق، حيث أكدت لنا إحداهن أنها من هواة جمع التحف الفنية النادرة، إذ حدث أن اشترت 3 ثريات تحمل اسم مصّممها، تعود إلى القرن الـ18 بثمن 25 ألف دينار، كما أكدت المتحدثة أن منزلها مؤثث بقطع نحاسية قديمة اشترتها كلها من سوق الخردوات بأسعار معقولة جدا.

سيدة أخرى من العارفات بشؤون السوق أكدت أنها تزور السوق يوميا، وتعرف كل تاجر وبائع بها، لدرجة أنها تعرف أين تجد هذا الشيء أو ذاك، فتذهب مباشرة إلى دكان صاحبها لاقتنائه، تقول بأن السوق تلبي فضولها من حيث الأغراض والأثاث والتحف وبأسعار جد معقولة.

سيدتان من ولاية سطيف كانتا في زيارة لأقاربهما بالعاصمة، قصدتا السوق للإطلاع على سلعها و”جديدها”، قالت إحداهما بأنها بنت العاصمة وتعرف شهرة المكان، ويومها قصدته ووجدت العديد من الفرص، فقد اشترت إبريقين بسعر 600 دينار، ومجفف شعر بـ300 دينار، ولعل زهد الأسعار هو العامل الأقوى لجذب الزبائن إلى هذه السوق.

في ذات السياق، يؤكد تاجر بالسوق أن هناك نشاطا آخرا بالتزامن مع بيع الخردوات، إذ فيه زبائن يقصدون السوق بغرض بيع أو تبادل أشياء قديمة كالأثاث وبعض التجهيزات الكهرومنزلية وحتى أواني المطبخ وغيرها، موضحا أن بعض المواطنين يبيعون الكثير من الأشياء التي يعتبرونها مملة أو زائدة إما لتسديد ديون أو مواجهة بعض النفقات اليومية.