بعد سنوات من انطلاقه… الاستشفاء المنزلي هل حقق النتائج المطلوبة منه؟

بعد سنوات من انطلاقه… الاستشفاء المنزلي هل حقق النتائج المطلوبة منه؟

يعتبر الاستشفاء المنزلي الذي انطلق العمل به منذ عام 1999، من الخدمات الجوارية التي تستهدف التخفيف من معاناة المرضى، خاصة المسنين منهم، من خلال تجنيبهم عناء التنقل إلى المؤسسات الاستشفائية

من أجل تلقي العلاج، وقد خضع الاستشفاء المنزلي للتنظيم من طرف وزارة الصحة سنة 2003 بعد إصدار قرار ينظم ويسير هذه الخدمة، تلاه قرار عام 2015 متعلق أساسا بالعلاج المنزلي.

وفي هذا الإطار، نظمت الجمعية الصحية “ميديكال نولوين بروداكت” لقاء تحسيسيا حول هذه الخدمة الجديدة وطرق ترقية الاستشفاء، وقالت مديرة المشروع، شندة صونيا: “نحن بحاجة للمؤهلات الكفيلة بضمان العلاج هنا في بلدنا، لدينا حق الإقامة ولدينا أطباء ذوو كفاءة عالية”.

ويهدف هذا الاستشفاء إلى التخفيف من وطأة المرض من جانبين، أحدهما الطبي والإنساني، فتلقي العلاج في الوسط العائلي له أهمية كبيرة ويؤثر بصفة إيجابية على منفعة الأدوية.

أما في الجانب الثاني فهو الجانب الاقتصادي خاصة وأن التكلفة في المستشفيات عرفت ارتفاعا كبيرا.

وبخصوص تعميم هذه التجربة على المستوى الوطني، قال البروفيسور كمال بوزيد، رئيس مصلحة بمستشفى مصطفى باشا الجامعي بالعاصمة، “نحاول تعميم المبادرة على مستوى الوطن، وتجربتنا حاليا في العاصمة ووهران وقسنطينة وعنابة”.

للإشارة، هناك فرق بين الاستشفاء المنزلي والعلاج المنزلي، فالأول يوجه للمصابين بالأمراض المزمنة أو الذين استفادوا من علاج في المستشفى، ويحتاجون متابعة العلاج في المنزل، حيث يسهر الفريق الطبي على المراقبة الدورية للمرض واحترام جرعات الأدوية ومداومتها أو وقفها عند الحاجة. وحسب القرار المؤرخ في 19 أفريل 2003، فإن مهمة الاستشفاء المنزلي تسند إلى مصالح الطب الداخلي للمراكز الاستشفائية الجامعية والقطاعات الصحية التابعة لهذه المراكز وتلك التابعة لمقر الولاية.

 

الاستشفاء المنزلي تكفل بـ 37 ألف مريض عبر الوطن

يعتبر أحمد الذي يقطن ببلدية الشراقة، واحدا من الذين استفادوا من خدمات الاستشفاء المنزلي، حيث كان يعاني من عدة أمراض مزمنة وتعرضه لأزمة شرايين الدماغ أدت إلى إصابته بشلل نصفي، ألزمه الفراش مدة طويلة، لكن معاناته مع الألم لم تمنع ابتسامته العريضة وهو يستقبل الفريق الطبي في بيته، ولعل أكثر ما استحسنه هذا المريض أنه محاط بكل أفراد عائلته، أما عبد الغني وهو مريض آخر تجاوز الستين من عمره، ويسكن في عمارة من 10 طوابق بابن عكنون، فلم يخف فرحته بعد استجابة الفريق الطبي لطلبه وقبول علاجه في المنزل بسبب صعوبة تنقله إلى المستشفى، خاصة أنه بدين ويعاني من عدة أمراض مزمنة.

ومن المرضى المستفيدين أيضا من الاستشفاء المنزلي، الحاجة باية 82 سنة، قاطنة ببن عكنون أيضا وتعاني من عدة أمراض مزمنة أفقدتها الحركة لمدة طويلة، مما عرضها إلى الإصابة بتقرحات الفراش. أعربت هي الأخرى عن سعادتها لتنقل الفريق الطبي إلى بيتها كونه أزال عنها وعن أسرتها مشقة الذهاب إلى المستشفى، معربة من جهة أخرى عن رضاها على نوعية العلاج المقدم من طرف هذا الفريق، بينما تعد حالة الحاجة عائشة التي شارفت على 90 سنة من الحالات المؤثرة فعلا، فهذه العجوز القاطنة ببلدية سيدي امحمد تعيش مع ابنتها في غرفة متواضعة، وفي المقابل أخذ الفريق الطبي للمؤسسة الصحية لهذه البلدية على عاتقه مهمة مرافقتها طبيا ونفسيا بهدف تخفيف أعباء الحياة على هذه العائلة.

 

الاستشفاء المنزلي يختلف عن العلاج المنزلي

توجه الخدمات المقدمة في مجال الاستشفاء المنزلي عادة لمن يعانون من أمراض مزمنة أو استفادوا من علاج في المستشفى، وتستدعي حالتهم متابعة هذا العلاج في المنزل، حيث يسهر الفريق الطبي على المراقبة الدورية للمرض واحترام جرعات الأدوية ومداومتها أو وقفها عند الحاجة. وتسند مهمة الاستشفاء المنزلي، حسب القرار المؤرخ في 19 أفريل 2003، إلى مصالح الطب الداخلي للمراكز الاستشفائية الجامعية والقطاعات الصحية التابعة لهذه المراكز وتلك التابعة لمقر الولاية. أما العلاج المنزلي الذي يستند إلى القرار الوزاري المؤرخ في 27 ديسمبر 2015، وجد لفئة المسنين أو مرضى آخرين تستدعي حالتهم متابعتهم منزليا من خلال خدمات تمريض، مثل مراقبة ارتفاع ضغط الدم دوريا أو حقنهم بإبرة أو تغيير الضمادات، حيث بلغ عدد المؤسسات الصحية المعنية بتقديم خدمات الاستشفاء المنزلي على المستوى الوطني 146 مؤسسة، 67 منها بمناطق الشمال و50 بالهضاب العليا و29 بالجنوب، في حين وصل عدد المستفيدين من هذه الخدمة إلى قرابة 37 ألف مريض، أي ما يقارب 13 ألف بمناطق الشمال وأكثر من 14 ألف بالهضاب العليا و10 آلاف بالجنوب.

 

70  بالمائة من المستفيدين من الاستشفاء المنزلي مسنون

قال الأستاذ منصور بروري، رئيس مصلحة الطب الداخلي بالمؤسسة الاستشفائية جيلالي بلخنشير في بئر طرارية، بالجزائر العاصمة، إن 70 بالمائة من المستفيدين من الاستشفاء المنزلي من فئة المسنين، مشيرا إلى أن مؤسسته كانت سباقة لإطلاق الاستشفاء المنزلي سنة 1999 لفائدة المسنين، بحكم أنهم يعانون من عدة أمراض مزمنة تستدعي التكفل بها منزليا، لم يخف الأستاذ منصور أسفه على غياب وحدات أخرى تتكفل بالاستشفاء المنزلي في ولاية الجزائر العاصمة التي بها أكبر عدد من السكان، وقال بأن “وحدة واحدة لا يمكنها الاستجابة للطلبات الهائلة التي تصلها”، مشيرا إلى أن نشاطات الاستشفاء المنزلي مهما اتسعت لا تضمن تكفلا جيدا بالأمراض التي تصيب المسنين، كداء السكري وأمراض القلب والضغط الدموي، مثل التكفل الذي تقدمه المؤسسات المتخصصة لعلاج هذه الفئة. واقترح في هذا الخصوص التفكير في فتح مؤسسات تتكفل بالمسنين، خاصة بعد ارتفاع نسبة تعدادهم في الجزائر من سنة إلى أخرى بحوالي 7 بالمائة.

 

مختصون يؤكدون: الاستشفاء المنزلي أصبح حتمية

من جهته، اعتبر الدكتور بن اشنهو، مدير المؤسسات الصحية الجوارية بوزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات “أن فكرة الاهتمام بتطوير العلاج المنزلي خلال السنوات الأخيرة، تحولت إلى حتمية فرضتها المرحلة الانتقالية لوضعية البلاد الوبائية وظهور أمراض مزمنة، فضلا عن ارتفاع عدد الأشخاص المسنين نتيجة تحسن ظروف المعيشة. في حين يرى ميلود قدار، خبير في الاقتصاد الصحي، أن الاعتماد على الاستشفاء المنزلي يوفر للخزينة العمومية نسبة تتراوح بين 20 و80 بالمائة مقارنة بالاستشفاء التقليدي، معربا عن استحسانه للاستشفاء المنزلي لأنه قرّب الصحة من المواطن، لاسيما بالنسبة للفئات الهشة، حيث ساهم في إبقاء المريض في محيطه العائلي وأشرك الأسرة في العلاج من أجل تخفيف الأعباء.