بهدف تقديم التكوين النوعي للأطفال… أولياء ما بين دور الحضانة والمدارس القرآنية أيهما الوجهة الأنسب لأطفالهم؟

بهدف تقديم التكوين النوعي للأطفال… أولياء ما بين دور الحضانة والمدارس القرآنية أيهما الوجهة الأنسب لأطفالهم؟

لم تعد دور الحضانة القبلة الوحيدة للأسر الجزائرية الراغبة في إيداع أبنائها سواء بسبب عمل الأم أو من أجل تعليمهم ومنحهم فرصة الاختلاط والاندماج مع الأطفال، بسبب انتشار المدارس القرآنية و تعليم الأطفال

في المساجد، وهي الفكرة التي لاقت استحسانا وقبولا لدى الكثيرين لأسباب كثيرة ومتعددة.

لم تكن العائلات الجزائرية مجبرة على إلحاق وتسجيل أبنائها قبل سن التمدرس بأي مؤسسة، لكن وفي ظل التغيرات التي مست المجتمع، وجدت العديد من العائلات الجزائرية نفسها مجبرة في أغلب الأحيان، على الاستعانة بدور الحضانة المختلفة للتكفل بأبنائهم دون السن القانونية للتمدرس، ولم يعد الأمر مقتصرا على العائلات العاملة، حيث أصبحت دور الحضانة عنصرا أساسيا في التنشئة الاجتماعية للأبناء ومساهمة في تربيتهم، كما أن لبعض العائلات نظرة خاصة في وضع أبنائهم بالروضة قصد الاختلاط بأقرانهم تحقيقا للاندماج الاجتماعي، حسب ما أكده بعض الأولياء في إحدى دور حضانة الأطفال بالعاصمة، حيث صرح بأنه يتعمد وضع ابنه في الروضة لكي يندمج مع أقرانه ويكتسب شخصية مستقلة بعيدة عن الأسرة “على الرغم من التكاليف الباهظة التي ندفعها والتي تتجاوز الـ 7000 دج شهريا”، في حين ترى سيدة أخرى أن المدارس القرآنية تكون أفضل تعليما وتربية وسعرا، وفي هذا الصدد، أكدت لنا إحدى المربيات أن الأساليب البيداغوجية المعتمدة من طرف وزارة التربية هي نفسها المطبقة في روض الأطفال ولكن تبقى هناك مشكلة في إتمام الأولياء للأدوار التي تقوم بها هذه المؤسسة، وتضيف مربية أخرى بالحضانة أن الأسعار مختلفة من حضانة إلى أخرى، فيما تشترك دور الحضانة بنظام المداومة حتى المساء من توفير للوجبات الغذائية وغرفة نوم للأطفال.

 

المدارس القرآنية.. يد في التعليم وأخرى للحفاظ على المقومات

من جهتها، لعبت الكتاتيب القرآنية دورا هاما في المحافظة على المقومات الأساسية للهوية الجزائرية منذ القدم، وناضلت لأجل ذلك كثيرا في الحفاظ على اللغة العربية، وعلى الرغم من الانتشار الكثيف لدور الحضانة العصرية، إلا أن الإقبال على المدارس القرآنية برز لحد كبير في الآونة الأخيرة من طرف فئة كبيرة من المواطنين في تربية وتعليم أبنائهم، وما تقوم به في الارشاد الديني وتعليم للغة العربية إضافة إلى تحفيظ القرآن الكريم، وترسيخ معالم الدين الحنيف، حيث كانت في القدم تعرف بالكتاتيب، يحفظ فيها الأبناء إلى غاية سن العاشرة القرآن الكريم، وتخرج منها عظماء الأمة الإسلامية كالشيخ ابن باديس والبشير الابراهيمي والعديد من الشخصيات وهذا للدور الكبير الذي تلعبه المدارس في التكوين على الرغم من بساطتها في التعبئة الروحية والنفسية لتكوين شخصية الفرد، وهو ما لمسناه في المدرسة القرآنية التابعة لمسجد “الرحمن” بالعاصمة، حيث أكد لنا الشيخ إسماعيل معلم في المدرسة القرآنية، بأنها أخرجت نجباء في الدين إلى جانب تفوقهم في مشوارهم الدراسي، وعند حديثه عن تربية وإعداد النشء في أطواره الأولى، صرح لنا قائلا بأن المهام الرئيسية للمدرسة هي التربية الدينية والخلقية للأطفال قبل تحفيظهم القرآن الكريم، وهذا ما أكده لنا أحد الأولياء، بأنه يفضّل أن يودع ابنه في المدرسة القرآنية عوض الحضانة، وصرح بعض المواطنين بأن هناك صحوة كبيرة في المجتمع لعبتها المدرسة القرآنية في تهذيب وتعليم النشء أصول دينهم.

 

المدارس القرآنية.. نتائج محققة وبأسعار رمزية

تعتمد دور الحضانة على نظام الدوام اليومي الكامل كسائر المؤسسات التربوية الأخرى وفق برامج تعليمية منفذة من طرف بعض دور الحضانة، خاصة في الأقسام التحضيرية النهائية قبل دخولهم الرسمي للمدارس، التي تلعب دورا كبيرا في ترسيخ وبناء شخصية الطفل من خلال تأثره بأساليب التعامل والتربية من طرف المعلمين والمربين، فأصبحت تعرف تنافسا حادا فيما بينها من كافة الجوانب والخدمات وتبرز نتائجها على المدى المتوسط والبعيد، غير أن الكثير من الأولياء بحثوا عن وجهة أخرى تضمن لأطفالهم شخصية متزنة ونتائج جيّدة في تحصيلهم العلمي وذلك ببروز المدارس القرآنية التي كانت في فترة غير بعيدة مهمّشة عند فئة عريضة من المجتمع يرونها كتاتيب مقتصرة على تعليم وحفظ القرآن، غير أن النتائج الملموسة لبعض المؤسسات الدينية واجتهادها في تغيير الصورة القديمة عنها غيّرت تفكير المواطنين وجعلتهم يقبلون عليها بشكل واسع، وأيضا تلعب الأسعار الرمزية في التسجيل بمقاعدها أسبابا أخرى لهذا الإقبال.

 

دور الحضانة وازدواجية اللغة

يؤكد القائمون على دور الحضانة أن مؤسساتهم تسير وفق مناهج تربوية معتمدة من وزارة التربية خصوصا للأقسام التحضيرية، كما تعتمد على مربين مكونين في المجال التربوي والتعليمي ومن ذوي الخبرة في الميدان، كما أن رهانهم على ازدواجية اللغة التي يبحث عنها غالبية الأولياء، وهذا ما لاحظناه خلال تفقدنا للأقسام التحضيرية بإحدى الروضات، حيث وجدنا انضباطا مميزا من طرف الأطفال في طريقة جلوسهم وتعاملهم مع المربين ومديرة المدرسة، وصرحت إحدى المعلمات بأنها من المدارس القليلة التي تعرف أسلوبا مميزا وإمكانيات تدريسية مثل هذه، وقال أحد الأولياء بأنه يرتاح لأن ابنه في هذه المؤسسة، وعند اقترابنا من أحد الأطفال، اندهشنا بأدب كلامه وبتحيته باللغة الفرنسية، حيث تعتمد غالبية دور الحضانة على أساليب حديثة في برامجها التعليمية وأسلوبها يعتمد على ازدواجية اللغة في طرق التدريس.

 

…وعائلات تفر من “فرنسة” دور الحضانة

خلال جولتنا الاستطلاعية عبر عديد المدارس في مختلف المقاطعات الإدارية للعاصمة، شدت انتباهنا تصريحات أولياء التلاميذ الذين كانت لنا فرصة محادثتهم أثناء الزيارة، أين كشف العديد منهم أن دور الحضانة ورياض الأطفال تنتهج خلال تلقينها الدروس للأطفال سياسة ما أسموه بــــ”فرنسة” المنهج الدراسي وتلقينهم كل ما هو أجنبي، والتغاضي عن تعليم الأطفال، القيم والدين والأخلاق، وهو ما أدى بهم إلى الهروب منها والتوجه إلى المدارس القرآنية التي باتت تقوم بدور تعليمي وتوعوي على حد سواء، مشيرين إلى أن الكثير منهم سحبوا تسجيلات أبنائهم من دور الحضانة واستنجدوا بتلك المدارس التي باتت تستقطب الآلاف من التلاميذ. من جهة أخرى، تحدث الأولياء عن سبب آخر أدى بهم إلى التوجه إلى المدارس القرآنية، وتمثل في التكاليف الباهظة التي يقرها القائمون على رياض الأطفال ودور الحضانة والتي تصل إلى أزيد من 7 آلاف دينار شهريا بالنسبة لرياض مؤسسة “بريسكو”، فيما وصلت إلى 9 آلاف دينار شهريا في الروضات الخاصة، مشيرين في السياق ذاته إلى أن مسؤولي تلك الرياض باتوا على حد تعبيرهم “يمارسون التجارة على حساب الأطفال”، ودليل ذلك حسبهم “النتائج السلبية التي تنعكس على الطفل لأن الروضة أصبحت لا تسفر عن نتائج جيدة مقارنة بالمدارس القرآنية”.

وفي هذا الشأن، أكد الأولياء الذين سجلوا أطفالهم في المدرسة القرآنية أنهم فضّلوا هذه الأخيرة لأنها غير مكلفة وأصبحت تقدم دروسا وفق المنهاج التربوي المعتمد في الطور التحضيري.

 

أساتذة متطوعون يطالبون بعقود عمل دائمة

من بين الإنشغـــالات التي طرحها المشــــــرفون على تلك المــــدارس القــــرآنية، هو وضع الأساتذة والمتــــــطوعين الذين يقومون بوظيفة التلــــقين براتب شــــهري أحيانا لا يتجاوز 10 آلاف دينار، وأحيانا لا يتم منحهم رواتبــــهم، في ظــــل غياب صدقات المحسنين، وهو الأمر الذي استاء منه هــــؤلاء كونهــــم يقومون بــــدور المعلم غير أنهم غير مؤّمنين لا اجتماعيا ولا يعتبرون موظفين طالما يعتمدون على صدقات المحسنين. وأكــــد العديـــد من المعلمين، أنهــــم يحوزون على شهادات جامعية في مختلف التخصصات، غير أنه لا يتم أخذ ذلك بعين الاعتـــــبار من طرف مديرية الشؤون الدينية التي من المفروض حسبهم التكفل بهم وإدماجهم في مناصب دائمة وبرواتب ثابتة.

وأضاف آخرون، أن الأسعار المعتمدة في المدارس القرآنية منخفضة مقارنة بدور الحضانة، فهـــي عبارة “عن مبلغ رمزي نطلــــبه من الأوليـــــاء من أجـــل دفع رواتب المتـــــبرعات والمتــــبرعين لأنهــــم يقومــــــون بهـــــذا العمـــل تـــطوعيا وبوازع ديني”.

 

الاكتظاظ مشكل آخر يواجه المدارس

تواجه المدارس القرآنية عبر العاصمة، والبالغ عددها 500 مدرسة موزعة بـــ13 مقاطعة إدارية بالولاية، مشكل الاكتظاظ، بعدما باتت الملجأ الوحيد للعديد من العائلات التي تفطنت في الفترة الأخيرة إلى التجارة التي تمارسها دور الحضانة، حيث وصل عدد التلاميذ المتمدرسين إلى 33 ألف متمدرس بالعاصمة، وهو الأمر الذي شكل ضغطا على المعلمين وشكل اكتظاظا كبيرا بداخل الأقسام، نظرا لطبيعة تلك الأقسام التي غالبا ما تكون قاعات للصلاة مخصصة للنساء أو قاعات صغيرة كانت تستغل في وقت سابق لقراءة القرآن الكريم، غير أن مع مرور الوقت وانتهاج تلك المدارس البرنامج التربوي الذي تشرف عليه الوزارة الوصية تحولت تلك الأقسام إلى أقسام تحضيرية يتم تحضير فيها الطفل كما لو كان في المدرسة الابتدائية.

المشكل يحل حسب المشرفين على تلك المدارس، بإعادة تأهيل تلك الأقسام وتوسيعها، أو إنجاز مدارس خاصة وفق معايير وعدد التلاميذ، غير أن ذلك لا يتحقق إن لم تتدخل السلطات لتدعيمها ومنحها إعانات قد تكون سبيلا لحل المشكل الذي سيتزايد مستقبلا.

 

500  مدرسة قرآنية بعاصمة البلاد تحتاج إلى دعم السلطات

كشفت فريدة جبالي رئيسة اللجنة أن العاصمة تضم أزيد من 500 مدرسة قرآنية موزعة عبر 57 بلدية بالجزائر العاصمة، بينها 10 مدارس قرآنية ذات نظام داخلي، موضحة أن هذه الأخيرة تعاني عديد النقائص جراء غياب التجهيزات التي يحتاجها الأطفال لتلقي الدروس، كالتدفئة والسبورات والمناضد وغيرها من الضروريات، إضافة إلى حاجة تلك المدارس إلى ترميم وإعادة هيكلة كما هو حال المدرسة القرآنية بمسجد “الأمة” ببلدية الرايس حميدو وكذا المدرسة القرآنية بمسجد “الهدى” بذات البلدية، داعية في ذات السياق إلى ضرورة تدعيم المدارس القرآنية التي أصبحت تشهد إقبالا من طرف العائلات، بحكم سمعتها الجيدة لكنها “تحتضر” ماليا لولا إعانات المحسنين، ما وجب على السلطات المعنية وعلى رأسها البلديات والمجلس الشعبي الولائي ووزارة الشؤون الدينية التدخل لتدعيمها تقول المتحدثة. كما أشارت المتحدثة، إلى أن المدارس القرآنية تعاني من نقص الدعم المالي، حيث وبحسب ما أوضحه المشرفون عليها، أنها تعتمد في غالب الأحيان على صندوق الزكاة لاقتناء مختلف التجهيزات المدرسية، وحتى لدفع رواتب المعلمين، غير أن هذه التبرعات لا تكفي في الكثير من الأحيان، في حين هناك مدارس تحتاج إلى ترميم وتوسعة ومع الظروف المالية غير المستقرة التي تمنح من صندوق الزكاة لا يمكن الانطلاق في أشغال الترميم أو التوسعة.

وأمام هذا الوضع، طالب المشرفون على المدارس القرآنية بمختلف البلديات، بضرورة تخصيص البلدية مبالغ مالية وميزانيات سنوية لدعم هذه المدارس التي أصبحت قبلة الكثير من الأطفال.