عرف ولوج المرأة عالم الشغل تطورا ملحوظا، حيث لم يعد ذلك مقتصرا على القطاعات التقليدية، بل تعداه إلى عالم الاقتصاد والاستثمار، فقد برزت سيدات كثيرات من بينهن مريم وليندة وآسيا وزازة وهن نماذج من النساء اللواتي تمكن عن طريق الاستثمار في مشاريع مصغرة من تحقيق الاكتفاء الذاتي والمساهمة في تعزيز المنتوج الوطني، وهن يؤكدن عزمهن على المضي قدما في ما شرعن فيه.
تجمعهن الإرادة والتحدي رغم اختلاف الوسائل في تجسيد مشروعهن لإنجاز المؤسسة المصغرة عن طريق إحدى آليات التشغيل، التي وضعتها الدولة سواء تلك المتعلقة بالوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب أو الوكالة الوطنية لتسيير القرض المصغر أو الصندوق لوطني للتأمين عن البطالة.
يتخطين العقوبات ولم تثنهن الصعوبات
لقد تخطين كل العقبات، فلم تثنهن الصعوبات التي تظهر أثناء فترة استحداث مشاريعهن، فصمدن بإصرار لا يضاهيه سوى حلاوة نجاحهن وإثبات وجودهن من أجل افتكاك مكانة في عالم الشغل ورفع مدخولهن وتوفير خدمات للمجتمع، قالت “م. مريم” (28 سنة) من العاصمة متحصلة على شهادة تقني سامي في تسيير قانون الأعمال، إنها تمكنت من إنشاء مؤسسة مصغرة في تنظيف وتطهير وتهيئة المساحات الخضراء سنة 2008 بفضل الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب.
نوهت هذه المقاولة بآليات المرافقة والتشجيع التي يسهر المشرفون على أجهزة التشغيل على تحقيقها لتوفير الدعم المعنوي، بحيث ساعدتها على اجتياز الصعوبات التي واجهتها في المراحل الأولى من استحداث هذه المؤسسة المصغرة، وأوضحت ذات المتحدثة أن مهن التنظيف والتطهير التي تقوم بها هذه المؤسسة تمكنت من تشغيل 40 بطالا شابا وشابة موزعين على مجموعات ليست دائمة وإنما تجري على شكل مشاريع مؤقتة وفي فترة محددة وذلك حسب الطلب الذي تتقدم به الشركات والمؤسسات الاقتصادية.
ومن أجل تلبية أوسع لحاجيات المواطنين في مهن تتعلق بالخدمات المنزلية ودائما تماشيا والطلب على هذه الخدمات، أظهرت السيدة “مريم” إصرارها على ترقية نشاطها فأبدعت مشاريع عمل أخرى تتعلق بهذا المجال ستنطلق قريبا، وتسعى “مريم” من خلال هذه المشاريع لا سيما مهن طبخ وتنظيف وعمل البستاني وممرضات في البيت إلى تحقيق أكبر عدد من مناصب شغل للشباب وتوفير الخدمات للمواطن وكذا توسيع إنجازها من جهة أخرى.
خدمات مبتكرة ومناصب شغل متوفرة
وستشرع مؤسسة تنظيف وتطهير وتهيئة المساحات الخضراء التي تعتبر، كما قالت المقاولة، “أول مؤسسة مصغرة من نوعها” في عرض أيضا خدمات المناسبات والأفراح من طبخ وحلويات تمكن من توفير مناصب شغل عديدة. أما السيدة “ن. ليندة” البالغة من العمر 32 عاما متزوجة وأم لطفل فقد أنجزت مؤسسة مصغرة في مواد التجميل والشبه الصيدلاني، حيث حققت نجاحا، كما تمكنت في ظرف أربع سنوات من انتزاع اسم لمنتوجها في السوق الوطنية.
وبفضل إجراءات الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب، حققت هذه المقاولة مشروعها سنة 2009 ووفرت مناصب شغل لـ 12 بطالا من بينهم 5 نساء وتمكنت من توفير منتوجات من 12 نوعا من بينها زيوت ومراهم.
وأكدت صاحبة هذه المؤسسة المتحصلة على شهادة جامعية في البيولوجيا وتحليل النباتات، أنها تعتمد على مواد طبيعية لتحقيق تركيبة تخصص لعلاج عدة أمراض بعد خضوع هذا المنتوج لمراقبة طبية. وأشارت في ذلك الى علاج تساقط الشعر المعروف بداء العثة وعلاج حب الشباب والبقع البنية وبعض الأضرار التي تصيب قشرة الرأس وبعض أنواع الحروق.
وتؤكد “ليندة” لواج من جهة أخرى أن هذا الإنجاز يساهم في تحسين الوضعية المالية لأسرتها، إلى جانب مدخول زوجها الموظف وتحقيق اكتفائها الذاتي، أن هذه المؤسسة سمحت بتقديم خدمات للمواطنين الذين هم في حاجة إلى هذا النوع من العلاج الطبيعي، ولم تفوت المقاولة فرصة التعبير عن معاناتها لعدم حصولها على محل لها، موضحة أنها تعتمد في عملها على كراء محل لعلها تتمكن من الظفر بالمساحة التي يتطلبها انجاز هذا المنتوج.
من جهتها، استغلت السيدة “ح. زازة” من ولاية معسكر الوكالة الوطنية لتسيير القرض المصغر لإنشاء مؤسسة مصغرة لصناعة الحلويات التقليدية منذ سنة 2006 وتنشط هذه المقاولة – كما قالت- في بيت عائلتها رفقة أختين لها بحيث جعلت من هذه المؤسسة المصغرة مصدر ربح لأسرتها البسيطة مشيدة بمكانة الحلويات التقليدية في مختلف ربوع الوطن.
ولم تمنعها إعاقتها من تحمل مختلف مراحل إنجاز أنواع شتى من الحلويات لتساهم في إدخال البهجة في المناسبات والأفراح من بينها حبات “البقلاوة” و”المقروط المعسل”، وتبقى الحلويات المعبرة عن تراث المنطقة -كما أعربت- من بينها “الكعك المصنوع بالجلجلان” و “الغريبية” حاضرة ضمن قائمة حلويات السيدة زازة التي شاركت بها في عدة تظاهرات منها معرض مستغانم.
من جهتها، فتحت السيدة “م. آسيا” من ولاية تيبازة بفضل أحد أجهزة التشغيل مكتب دراسة وإنجاز لتحقيق مشاريع تتعلق بإنجاز وترميم في مجال البناء لفائدة مؤسسات عمومية وخاصة حسب الطلب، وتمكنت السيدة آسيا مهندسة دولة في الهندسة المدنية من خلال هذا المكتب من إنشاء مخبر لتحقيق مشاريع تتعلق بمراقبة الخرسانة في مجال البناء.
وبعد أن أعربت هذه المقاولة عن افتخارها بهذا الإنجاز الذي طالما حلمت به، لم تخف تأكيدها أن هذه المشاريع تساهم في تحقيق اكتفائها الذاتي وتوفر خدمات للمجتمع.