أصبح الوشم ظاهرة جد ملفتة وسط الشباب لاسيما في السنوات القليلة الأخيرة، حيث عادت إلى الواجهة بصورة تساير الموضة والأزياء وبصفة تروج لأشكال مختلفة وترمز إلى دلالات متنوعة قد تكون بمثابة إسقاط لحالات نفسية، حسب ما يؤكده المختصون في علم النفس.
عُرف الوشم في المجتمع الجزائري كوسيلة لعلاج بعض الحالات المرضية، وفي نفس الوقت كأداة للتزيين وسط النسوة لاسيما في منطقة الأوراس، وقد تعددت أغراض استخدام الوشم، إلا أن شباب اليوم الراكض وراء هذه الظاهرة قد لا يعرف بالضرورة معنى ودلالات رموزها، لكنه يدرك بأنه شيء جميل ومختلف يستجيب لنداء البحث عن الجاذبية واللوك الجديد، فنلاحظ في أجساد بعض الشباب خاصة على مستوى الكتف أو الذراعين أو اليدين وحتى الصدر والبطن عدة رسومات بعضها عبارة عن أفاع وجماجم، ولعل وراء هذه الرسومات رسالة تقول “أنا قوي الشخصية”، وربما تكون الرسومات على شكل قلب يخترقه سهم، وما أكثر هذا النوع من الرسومات التي تعلن عن تيار الحب الجارف في عالم الشباب المهووس بالمشاعر الدافئة والأحلام الوردية.
.. وتقليد للمشاهير والنجوم
وفي بعض الحالات لا يكون الوشم إلا تقليدا لبعض المشاهير من الرياضيين ونجوم الفن، وما زاد من انتشار هذه الموضة خاصة في وسط الفتيات هو ابتكار “التاتواج” أو الوشم سهل الزوال، بحيث يزول تدريجيا مع مرور الوقت على خلاف الوشم الذي عرف منذ القدم، الذي يعتمد على الإبر لإدخال مادة الحبر تحت الجلد، وعليه لا يمكن أن يزول إلا بماء النار، ولقد سهل حاليا التقدم العلمي إزالته بأشعة الليزر ما يسمح بتغيير رموزه ورسوماته.
والملفت أيضا هو أن بعض النسوة يستعملن نوعا من الوشم الذي يصعب زواله لرسم الحاجبين وما حول الشفاه كنوع من الزينة، ومهما اختلفت أنواع الوشم ورموزه وكلماته فإن غرض التجميل يجمع غالبا مستعمليه.
هوس بالموضة ولا وعي بالمخاطر
يحكي “عمي عمار” البالغ 53 سنة وهو أحد الموشمين “أن الوشم ينزل في الجلد بواسطة أصباغ خاصة وبالإبر التي تدفع باللون داخل مساحات الجلد، ليتحول إلى جزء لا يتجزأ منه، وعملية إزالته تتم بالطريقة نفسها. ويجب سحب اللون من المسامات بالإبر، وما يرافق ذلك من متاعب وعذاب مضن لصاحب الوشم الذي يتألم كثيراً من أجل إزالته، وكان هذا قبل انتشار التخدير الذي أصبح ملازماً للعمليات الموجعة والمؤلمة التي تجري للإنسان”، و بالطبع تطورت عملية تنفيذ الوشم اليوم، و أضاف عمي عمار “أصبحت هناك وسائل جديدة ودقيقة تعمل على الكهرباء، وتستخدم أصباغاً جديدة، وهي أقل ألما توفر إمكانات كبيرة لجعل جسد الانسان بكامله، لوحة زاخرة بالأشكال والرموز، حسب ميول الشخص وهوايته”.
السجناء أكثر الموشمين
“ابراهيم” أحد السجناء السابقين، ومن الذين غزا الوشم أجسامهم، يقول عن تجربته: “أحسست بألم شديد كان يرافق عملية الوشم، لأن ذلك تمَ دون تخدير، وخاصة أن اختصاصي الوشم يقوم أثناء تنفيذه بنقر إبر في الجلد بمعدل ثلاثة آلاف مرة في الدقيقة الواحدة، فيما كان صديقي وهو سجين آخر من داخل السجن يعمد إلى حقن “عود ثقاب دقيق” في الأدمة، وهي طبقة الجلد الوسطى، إذ أنه من غير المجدي حقن الوشم في البشرة التي تتألف من خلايا ميتة، تتقشر بمعدل واحد على مليون كل أربعين دقيقة حسب ما يقوله المختصون، لذلك فإن أي وشم يحقن في البشرة سيزول بسرعة وهذا ما يدفعهم لإنزاله في الأدمة”.
مراكز تجميل تُقدم الخدمة ومختصون يؤكدون تزايد عدد المقبلين
تقول الآنسة “نهى” مختصة وشم وتجميل بالعاصمة “الوشم معروف منذ آلاف السنين حيث استخدمته الشعوب القديمة كتعويذة ضد الموت في الديانات الوثنية وضد الروح الشريرة وللحماية من السحر، بينما استخدمه العرب كعلاج يمنع الحسد بين القبائل، وكذلك للزينة والتجميل”، وتُعَرف نهى لنا الوشم بأنه ثقوب يتم تحديد مكانها في الجسم بقلم دوار في مقدمته إبرة تحمل الصبغة إلى الجزء المخصص في الجلد والمراد الرسم عليه، وهذه العملية تتطلب دقة متناهية وتستغرق من ساعة إلى ساعتين تقريبا حسب مهارة الواشم.
وتضيف نهى “هناك أنواع عديدة من رسومات الوشم أغلبها من الطبيعة، فالبعض يختار التي تعبر عن القوة والصلابة، وأحيانا القوة الشخصية مثل رسومات الجماجم والأفاعي وغيرها، والبعض وهم كثيرون يختارون الرسومات التي تعبر عن الحب الجارف أو العرفان بالجميل لشخص بعينه، وبعضهم من يقلد مشاهير النجوم في رسوماتهم المجنونة سواء كانت من فروع الشجر أو الورود في مناطق ظاهرة من الجسد”.
وعن أعمار زبائنها وجنسهم، تقول نهى “الشباب من الجنسين يقبلون على دق الوشم وإن كان الذكور أكثر من الفتيات، كما أن الكتف أكثر أماكن الجسد التي يوشم فيها وأحيانا البطن والصدر، وتتراوح أعمار زبائننا من 25 إلى 35 سنة، أغلبهم من الطبقة الغنية بالمجتمع ممن يلهثون وراء الموضة”.
وأوضحت نهى أن الموضة المنتشرة الآن بين الشباب من الجنسين هي رسومات الحب الجارف وكتابة أسماء الحبيب للتأكيد على الارتباط الأبدي، فالوشم لا يمكن إزالته إلا بماء النار أو من خلال عملية جراحية يتم فيها إزالته باستخدام الليزر وسجلت المتحدثة أن “غالبية الأشخاص الذين يقدمون على الوشم مصابون باضطرابات سلوكية وانحرافات ومشكلات نفسية” على حد قولها.