غالبا ما ينصح الأزواج قبل الإقدام على الزواج بإجراء كشف واختبارات خاصة للرجل والمرأة للتأكد من خلو أحد الطرفين من الأمراض المعدية أو الوراثية الخطيرة، قصد الحد من انتشار الأمراض المتنقلة جنسيا مثل التهاب الكبد الفيروسي والسيدا، وعليه يتساءل الكثير من الأزواج، هل هذه الفحوصات ضرورية؟
ويسعى الأطباء ومختلف الجمعيات لتنظيم الأسرة والمحافظة على صحة الأزواج ، لتجعل الفحص الطبي قبل الزواج، أكثر شمولا مما هو عليه الآن، وذلك من خلال المناداة بضرورة إجراء تحاليل مفصلة لكل شخصين مقبلين على الزواج، ذلك لأن بعض الأمراض الوراثية وكذا المتنقلة جنسيا، لا تظهر إلا من خلال تحليل دم مفصل، كما أن المعمول به حاليا هو مجرد استشارة طبية بسيطة وسطحية.
وتتجلى ضرورة الفحص الطبي قبل الزواج حسب الأطباء في أنه يمكن من تفادي العديد من المشاكل التي يمكن أن تعترض الحياة الزوجية في بدايتها، ويتيح إمكانية الكشف المبكر عن بعض الأمراض التي يمكن أن تؤثر على الصحة وعلى السلامة الجسدية للزوجين.
والفحص الطبي للمقبلين على الزواج يشمل عدة جوانب، مرتبطة بالكشف عن مدى الإصابة ببعض الأمراض الوراثية أو المعدية وخاصة الأمراض المتنقلة جنسيا التي يمكن علاجها إذا اكتشفت في مراحلها الأولى، وبعض الأمراض الخطيرة كالايدز التي تفرض إتباع قواعد الوقاية والحرص على عدم تنقل العدوى.
الفحص الطبي ما قبل الزواج يساعد على التخطيط العائلي
وفي حديثنا مع بعض المتزوجين حديثا، ممن استوجب عليهم إجراء فحوصات طبية قبل إتمام العقد المدني، قالوا إن الخطوة إيجابية المغزى في حد ذاتها، ولكنها تسبب بعض العراقيل، بالنظر إلى الوقت الذي يستغرقه الفحص الإكلينيكي وإجراء التحاليل FNS والأشعة، كما أكد لنا آخرون أن الأمر أبسط مما هو معتقد، حيث اكتفوا بقصد أطباء تركوا على الملفات ختمهم وإمضاءهم لا غير، أما مسألة التحليل حول “السيدا”، فهي مستبعدة كل البعد للأزواج الجدد.
التكلفة المادية الباهظة التي تتطلبها مثل هذه الفحوصات تؤرق المواطن
كثيرا ما يشتكي المواطنون المقبلون على إجراء هذه الفحوصات من ارتفاع أسعارها خصوصا عند العيادات الخاصة، فالكل يقصدها أمام تماطل المستشفيات في تقديم المواعيد الطبية التي قد تدوم ستة أشهر كاملة في بعض المستشفيات.
التكلفة المادية التي يتعذر على البعض الالتزام بها، وأمام إلزام الحكومات بجعل الفحوص شرطًا للزواج؛ زادا من حدة المشاكل خصوصا أمام شكاوى الناس المستمرة من ارتفاع مصاريف الفحوصات في الجزائر في الآونة الأخيرة.
الفحص الطبي يجنب الأزواج الأمراض الوراثية المحتملة للذرية
غالبا ما تساعد مثل هذه الفحوصات الطبية التي تكون قبل الزواج على إعلام الزوجين بالأمراض الوراثية المحتملة للذرية إن وجدت، فتتسع الخيارات في عدم الإنجاب، أو عدم إتمام الزواج، إضافة إلى تقديم النصائح إذا ما تبين وجود ما يستدعي ذلك، بعد استقصاء التاريخ المرضي والفحص واختلاف زمر الدم.
ومن خلال محاورتنا لبعض المواطنين حول أهمية فرض الفحوصات الطبية ما قبل الزواج، أكدت لنا السيدة “أمينة” أن عقد الزواج عقد عظيم، يُبنى على أساس الدوام والاستمرار، فإذا تبين بعد الزواج أن أحد الزوجين مصاب بمرض، فإن هذا قد يكون سببا في إنهاء الحياة الزوجية لعدم قبول الطرف الآخر به.
أما “محمد” فهو يرى أنه بفضل الفحص الطبي يتأكد كل واحد من الزوجين الخاطبين من مقدرة الطرف الآخر على الانجاب، وعدم وجود العقم، ويتبين مدى مقدرة الزوج على المعاشرة الزوجية.
ترى “سميرة” ربة بيت أن الفحص الطبي يعمل على وضع حد لانتشار الأمراض المعدية والتقليل من ولادة أطفال مشوهين، أو معاقين الذين سيسببون متاعب لأسرهم ومجتمعاتهم.
أما فئة أخرى أكدت أن فرض مثل هذه الفحوصات لا يساعد على إتمام الزواج، إذ صرحت لنا السيدة “صافية” أن الفحص ما قبل الزواج له عدة سلبيات كإيهام الناس أن إجراء الفحص سيقيهم من الأمراض الوراثية، وهذا غير صحيح؛ لأن الفحص لا يبحث في الغالب سوى عن مرضين أو ثلاثة، إضافة إلى إيهامهم أن زواج الأقارب هو السبب المباشر لهذه الأمراض المنتشرة في مجتمعاتنا وهو غير صحيح إطلاقا، لأن هناك عوامل أخرى مؤثرة، كما قد يحدث تسريب لنتائج الفحص، ويتضرر أصحابه، لاسيما المرأة، فقد يعزف عنها الخطاب إذا علموا أن زواجها لم يتم، بغض النظر عن نوع المرض، وينشأ عن ذلك مشاكل، كما يجعل هذا الفحص حياة بعض الناس قلقة مكتئبة ويائسة، إذا ما تم إعلام الشخص بأنه سيصاب هو أو ذريته بمرض عضال، لا شفاء له من الناحية الطبية.
فحوصات خاصة بالدم والأمراض القابلة للانتشار والوراثية
غالبا ما تكون الفحوصات ما قبل الزواج لتجنب الأمراض الوراثية، وفحوصات لمعرفة إن كان أي من الطرفين لديه أمراض قابلة للنقل من طرف الآخر عن طريق الاتصال الجنسي.
وعلى سبيل المثال فثلاسيميا الدم هو مرض ينقل عن طريق الوراثة ويؤثر على عمر كريات الدم الحمراء، ففي مرض الثلاسيميا تحصل طفرة في مكونات الهيموجلوبين مما يسبب تكسرا في خلايا كرات الدم الحمراء، فيحاول الجسم أن يعوض هذا النقص عن طريق زيادة تكاثر كرات الدم الحمراء، وبالتالي تتضرر كثير من عظام الجسم وأعضاؤه فهي مصنع للنخاع العظمي، ما يؤدي إلى انتفاخ جمجمة الرأس وكبر الطحال والكبد، ولكن كل هذا الإنتاج الكبير من كرات الدم الحمراء يفشل في تعويض الهلاك الذي تتعرض له كرات الدم الحمراء، فيضطر الطبيب إلى نقل الدم إلى المريض بصفة مستمرة. ونقل الدم عادة ما يكون مصحوبا بازدياد الحديد في جسم المصاب مما يسبب له ضررا بالغا على الكبد والقلب أو الفرصة للإصابة بالتهابات فيروسية للكبد، وغالبا ما ينتهي الأمر بالمصابين بهذا المرض إلى الوفاة عادة في العقد الثالث من العمر إلا إذا أجريت لهم عملية زرع نخاع جديدة.
أما الأمراض الوراثية الأخرى فيكون الفحص عادة انتقائيا طبقا لظروف كل عائلة، فينصح المقبلون على الزواج أن يفتشوا في أمراض العائلة، فإن وجدوا أن هناك مرضا وراثيا موجودا بالعائلة فينصح باستشارة أخصائي وراثة عن الطرق الوراثية لنقل هذا المرض وكيفية فحصه.
الفحوصات اللازمة لمعرفة إن كان هناك قدرة على الإنجاب من الطرفين، وينصح بهذه الحالة بشدة إن كان الطرفان يرغبان بالإنجاب، وحتى لا يصاب أي من الطرفين بكآبة تنغص عليه حياته إن وجد قرينه لا يستطيع الإنجاب أو يستطيع ولكن عن طريق أطفال الأنابيب. ويجب أن تشمل هذه الفحوصات فحص الحيوانات المنوية عند الرجل لمعرفة عدد الحيوانات المنوية ونسبة السليمة منها ونسبة الحركة الفاعلة فيها، كما ينصح بعمل فحص هرمونات الذكورة للاطمئنان على الوضع الصحي للإنجاب. أما للأنثى فينصح بشدة عمل هرمون في اليوم الثالث من الدورة الشهرية.
فحوصات الأمراض القابلة للانتشار عن طريق الاتصال الجنسي، فهي من حق كل طرف يريد الارتباط بالطرف الآخر أن يكون على علم مسبق وكامل بمجموع حالة هذه الأمراض عند قرينه قبل الاتصال به حتى لا يشعر بالغبن أو أن حياته في خطر مستمر، ومن هذه الفحوصات هي عمل وظائف الكبد والتهاب الكبد الوبائي.
أما الالتهابات الجنسية الأخرى فأكثر هذه الأمراض هي مرض الزهري ومرض الهربس الجنسي، فينصح إن كان أحدهما يشك أن الطرف الآخر يحمل أحد هذين المرضين، يطلب من قرينه الفحص لهما خاصة أن انتشار هذين المرضين أسرع بكثير من أي أمراض أخرى.
من كل هذا يتبين لنا أن فحوصات ما قبل الزواج تبدأ بفحص الدم لمرض الثلاسيميا ولكنها تمتد إلى أكثر من ذلك بناء على رغبة المقبلين على الزواج لمعرفة الكثير عمن يودون الاقتران بهم.