إن المساجد بيوت الله في الأرض، خير البقاع وأزكاها، وأطيب الأماكن وأفضلها، مهوى أفئدة الصالحين، فيها يرتاح القلب، وينشرح الصدر، وينزاح الهم والغَمُّ. ولقد كان الحبيب صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يرتاح من مشاغل الدنيا ومتاعبها نادى بلالًا، فقال له: “أرِحْنا بالصلاةِ يا بلالُ”. ولقد حذَّر الله عز وجل من انتهاك حرمات المساجد، أو منع إقامة ذكر الله فيها، فقال: ” وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ” البقرة: 114. ومن عمارة بيوت الله وأهمها إقامة الصلوات الخمس فيها جماعة مع المسلمين، وقد وردت فضائل كثيرة في ذلك، ومنها قول الله النبي صلى الله عليه وسلم: “صلاةُ الجماعةِ تفضُلُ صلاةَ الفَذِّ بخَمْسٍ وعشرين درجةً” رواه البخاري، وقال عليه الصلاة والسلام: “مَن غدا إلى المسجدِ أو راحَ أعَدَّ اللهُ له في الجنةِ نُزلًا كُلَّما غدا أو راحَ”؛ رواه البخاري، ومن عمارة بيوت الله المكث فيها لطاعة الله تعالى، فالدخول إلى المسجد والجلوس فيه عبادة عظيمة، ولا نقصد فقط الدخول للصلوات؛ بل الدخول والمكث فيه أطول مدة، وهي طاعة تقود إلى طاعات، ويحصل بها كثير من الأجور والحسنات. فالمكث في المسجد والجلوس أمر يحبه الله، كيف لا وأنت تجلس في بيته قد تركت دنياك وأولادك وأهلك خلف ظهرك، وجلست في بيته تذكره وتدعوه وتصلي.
وقد وردت الفضائل الكثيرة في الجلوس في المسجد ومن ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا يزالُ العبدُ في صلاةٍ ما كان في مُصلَّاه ينتظر الصلاة، وتقول الملائكة: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه حتى ينصرف أو يُحدِث”، قلت: ما يُحدث؟ قال: “يفسو أو يضرط” متفق عليه، هذا الفضل فيمن ينتظر الصلاة، وهناك رواية أخرى وردت فيمن يجلس بعد انقضاء الصلاة، قال النبي عليه الصلاة والسلام: “الملائكةُ تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلَّى فيه، ما لم يُحدث، تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه” رواه البخاري، قال ابن بطال رحمه الله: “فمن كان كثير الذنوب وأراد أن يحطَّها الله عنه بغير تعب، فليغتنم ملازمة مكان مصلاه بعد الصلاة؛ ليستكثر من دعاء الملائكة واستغفارهم له، ومن عمارة بيوت الله الجلوس فيها مع تلاوة القرآن ومدارسته، ففيه فضل عظيم قال النبي صلى الله عليه وسلم: “وما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوتِ الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينةُ، وغشيتهم الرحمةُ، وحفَّتهم الملائكةُ، وذكَرَهم اللهُ فيمن عنده”؛ رواه البخاري، وقد ألحق العلماء بذلك سماع الخطب والمواعظ والكلمات التي تُلقى في المسجد، فعلى المرء أن يحرص على الجلوس بعد الصلاة لسماع كلمة أو درس ينال بها الأجر، ويستفيد منها في دنياه وآخرته. ومن فضائل المكث في المسجد أنَّ من السبعة الذين يُظلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظِلَّ إلا ظله رجلًا قلبُه مُعلَّقٌ بالمسجد، قال صلى الله عليه وسلم: “سبعةٌ يظلُّهم في ظلِّه – وذكر منهم -: ورجلٌ قلبُه مُعلَّقٌ في المساجد”؛ رواه البخاري، ومن فضائله أن المكث بعد صلاة الفجر يعدل أجر حجة وعمرة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَن صلَّى الصبحَ في جماعةٍ ثم قعَدَ يذكُر اللهَ حتى تطلُعَ الشمسُ ثم صلَّى ركعتين كانت له كأجْرِ حَجةٍ وعمرةٍ تامَّةٍ، تامَّة” أخرجه الترمذي وصححه الألباني.
من موقع الألوكة