أم ورقة الأنصارية واحدة من نساء الأنصار اللائي سطرن أروع الصفحات في تاريخ الإسلام، وقد أسلمت مع السابقات، وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وروت عنه. كانت من فواضل نساء عصرها، ومن كرائم نساء المسلمين. نشأت على حب كتاب الله تعالى، وراحت تقرأ آياته آناء الليل وأطراف النهار حتى غدت إحدى العابدات الفاضلات؛ فجمعت القرآن، وكانت تتدبر معانيه، وتتقن فهمه وحفظه، كما كانت قارئة مجيدة للقرآن، واشتهرت بكثرة الصلاة وحسن العبادة. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدر أم ورقة ويعرف مكانتها، ويكبر حفظها وإتقانها، وكان يأمرها بأداء الصلاة في بيتها. وأما عن حبها رضي الله عنها للجهاد والشهادة في سبيل الله؛ فها هي تحدثنا عن ذلك فتقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم لما غزا بدرًا قلت له: يا رسول الله، ائذن لي في الغزو معك، أمرض مرضاكم لعل الله أن يرزقني الشهادة. قال: “قري في بيتك فإن الله تعالى يرزقك الشهادة” رواه أبو داود. وعادت الصحابية العابدة أم ورقة إلى بيتها سامعة مطيعة أمر النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأن طاعته واجبة. وغدت أم ورقة رضي الله عنها تعرف بهذا الاسم المعطار “الشهيدة ” بسبب قوله عليه الصلاة والسلام “قري في بيتك فإن الله تعالى يرزقك الشهادة”، ولما ذكره ابن الأثير في أسد الغابة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد زيارتها اصطحب معه ثلة من أصحابه الكرام، وقال لهم: “انطلقوا بنا نزور الشهيدة”. وانتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى وهو راضٍ عن أم ورقة، ثم جاء عهد أبي بكر رضي الله عنه فتابعت حياة العبادة والتقوى على الصورة التي كانت عليها من قبل. وقد كانت أم ورقة تملك غلاماً وجارية، وكانت قد وعدتهما بالعتق بعد موتها، فسولت لهما نفساهما أن يقتلا أم ورقة!!. وذات ليلة قاما إليها فغمياها وقتلاها، وهربا، فلما أصبح عمر رضي الله عنه قال: والله ما سمعت قراءة خالتي أم ورقة البارحة. فدخل الدار فلم ير شيئًا، فدخل البيت فإذا هي ملفوفة في قطيفة في جانب البيت، فقال ” صدق الله ورسوله، ثم صعد المنبر فذكر الخبر، وقال: عليَّ بهما، فأتي بهما، فصلبهما، فكانا أول مصلوبين في المدينة “. فرحم الله تعالى الصحابية الأنصارية، والشهيدة العابدة، ورضي عنها وأرضاها .
