كان أبو الدَّرْداء رضيَ الله عنه من علماء الصحابة وعبَّادهم، وقد كان رضيَ الله عنه موصوفًا بالعقل والحكمة، حتى إن ابن عمر رضيَ الله عنهما يقول: “حدِّثونا عن العاقلَيْن؛ معاذٍ وأبي الدَّرْداء”. ولا أدلَّ على عقله وحكمته من أنه كان يُديم التفكُّر والاعتبار. سُئلت أمُّ الدَّرْداء: “أيُّ عبادةِ أبي الدَّرْداء كانت أكثر؟ قالت: “التفكُّر والاعتبار”. وكيف لا يكون دائم التفكر وهو القائل: “تفكُّر ساعةٍ خيرٌ من قيام ليلة”. ومن وصاياه رضيَ الله عنه قوله: “اعبد الله كأنك تراه، وعدَّ نفسكَ في الموتى، وإياك ودعوة المظلوم، واعلم أن قليلاً يغنيك خيرٌ من كثير يلهيك، وأن البِرَّ لا يبلى، وأن الإثم لا يُنسى”. وكان أبو الدَّرْداء رضيَ الله عنه يحبُّ البقاء في الدُّنيا؛ ليتزوَّد منَ الأعمال الصالحات للآخِرة؛ قال رضيَ الله عنه: “لولا ثلاثٌ ما أحببت البقاء: ساعةُ ظمأ الهواجر، والسُّجودُ في الليل، ومجالسةُ أقوامٍ ينتقون جيِّد الكلام كما يُنتقى أطايبُ التَّمر”. ومن عجيب اعتباره: أنه في انتصارات المسلمين، يعتبِر بما حلَّ بالعدوِّ قبل أن يفرح بالنَّصر. قال جُبَيْر بن نُفَيْر: “لما فُتحتْ قبرص؛ مُرَّ بالسَّبْيِّ على أبي الدَّرْداء؛ فبكى؛ فقلت له: تبكي في مثل هذا اليوم الذي أعزَّ الله فيه الإسلام وأهله؟ قال: “يا جُبيْر، بينا هذه الأمَّة قاهرةٌ ظاهرةٌ؛ إذْ عصوا الله فلقوا ما ترى، ما أهون العباد على الله إذا هم عصوه” فلم تُنْسِهِ فرحة النصر الاعتبارَ بما حلَّ بالعدو لمَّا خالفوا أمر الله، ومَنْ مِنَ العباد يعتبِر في مواطن الفرح والسُّرور؟! ولا زالتِ الحِكْمة على لسانه حتى في حال مرضه؛ فقد اشتكى مرَّةً؛ فدخل عليه أصحابه فقالوا: “يا أبا الدَّرْداء، ما تشتكي؟ قال: اشتكي ذنوبي. قالوا: فما تشتهي؟ قال: أشتهي الجنة. قالوا: أفلا ندعوا لك طبيبًا؟ قال: هو الذي أضجعني. وظلَّ رضيَ الله عنه يعظ الناس حتى في حال احتضاره وموته وقدومه على ربه، قالت أمُّ الدَّرْداء: “لما احتُضِرَ أبو الدَّرْداء جعل يقول: مَنْ يعملُ ليومي هذا؟ مَنْ يعملُ لمضجعي هذا؟. وبكى عند موته؛ فقالت له أمُّ الدَّرْداء: “وأنت تبكي يا صاحب رسول الله؟ قال: نعم، وما لي لا أبكي، ولا أدري علام أهجم من ذنوبي”.
تاريخ وتراجم.. الصحابي أبو الدَّرْداء رضيَ الله عنه
2024-10-08