هو القائد الفاتح “موسى بن نصير اللخمي”، ولد في سنة تسع عشرة من الهجرة في خلافة الفاروق رضي الله عنه، في قرية “كفر متري” بالشام، وكان أبوه “نصير” من سبايا “عين التمر” الذين سباهم خالد بن الوليد رضي الله عنه، أثناء فتح العراق، وكان نصير ضمن مجموعة مكونة من أربعين غلامًا يتعلمون الرهبنة في كنيسة عين التمر، فسباهم خالد فأسلموا جميعًا، ثم انتقل نصير وهو شاب صغير إلى الشام، حيث التحق بخدمة معاوية، فجعله على حرسه، وصار أحد قواده، وارتفعت منزلته عند معاوية رضي الله عنه. نشأ موسى في بيت جندية وجهاد، فأبوه من قادة الفتح الإسلامي على الجبهة الشامية، فلا عجب أن يكون الفتى صنو أبيه، ويلمح فيه معاوية النجابة والذكاء والقدرة على القيادة، فيعهد معاوية له ببعض المهام الحساسة، فيغزو موسى البحر لفتح قبرص وبناء بعض الحصون هناك مثل حصن “المعاوض” و”يانس” وظل نائبًا على قبرص فترة. أصبحت الصلة وثيقة جدًا بين “موسى بن نصير” و”عبد العزيز بن مروان” والي مصر وأخوال الخليفة عبد الملك بن مروان، كان بمثابة المستشار والوزير له، وظل معه فترة طويلة، فلما عُزل “حسان بن النعمان” من منصبه، لم يجد عبد العزيز خيرًا ولا أكفأ من موسى بن نصير ليوليه المغرب العربي وإفريقية وذلك سنة 85هـ، أي وهو في الستين من العمر. كان فتح الأندلس حلمًا يراود قادة الفتح الإسلامي، منذ أيام الفاتح الأول “عقبة بن نافع”، فلما مهد موسى بن نصير الطريق أمام فتح الأندلس وفتحت بلاد المغرب من ليبيا إلى المحيط، أخذ في دراسة الأساليب والاستعدادات اللازمة لهذا المشروع الخطير. كان موسى عازمًا على أن يفتح أوربة كلها ويصل إلى الشام من طريق القسطنطينية، أي: ابتدأ غربًا وأراد أن ينتهي شرقًا، ويكون قد لفَّ القارتين الأفريقية والأوربية، لكن الخلافة الإسلامية في الشام أمرتْهُ بالتَّوقُّف؛ لئلا يخاطر بالمسلمين وأمره الوليد بن عبد الملك أن يعود إلى الشام، فنظَّم إدارة الأندلس، وجعل حاضرتها إشبيلية، وولَّى عليها، ثم عاد إلى الشام في ذي الحجة عام خمسة وتسعين ومعه من الغنائم والسبي ما لا يُحْصى وذلك بعد أن سطر مع طارق بن زياد تاريخًا مجيدًا للإسلام في الجزيرة الخضراء، وكان رمضان المبارك موقعًا لكثير من فتوح بلاد الأندلس.