السبت , 10 يونيو 2023

تقاليد احتفائية متنوعة عبر ربوع الوطن..

تحت شعار “يناير يجمعنا في جزائر واحدة موحدة”.. الجزائريون يحيون المناسبة باحتفالات شعبية وبرعاية رسمية

تحيي الجزائر، غدا الخميس، رأس السنة الأمازيغية 2973، وتحتضن ولاية غرداية الاحتفالات الرسمية للمناسبة التي تحييها الجزائر رسميا في 12 يناير منذ 2018 من خلال برنامج ثقافي وعلمي، يبرز التقاليد والعمق التاريخي لهاته الاحتفالات العريقة.

الاحتفالات الوطنية برأس السنة الأمازيغية “يناير” هذه التظاهرة الأصيلة الضاربة في عمق التاريخ الوطني والنابعة من عمق المجتمع الجزائري، من خلال برنامج ثقافي واجتماعي وأكاديمي ثري ومتنوع، كما تجسد الالتفاف الشعبي حول هذا التراث من خلال الاحتفالات التي تعم ربوع الوطن.

 

يناير بقرى ومداشر باتنة.. مناسبة لإحياء إرث الأجداد

تعد الاحتفالات برأس السنة الأمازيغية “يناير” بقرى ومداشر ولاية باتنة مناسبة للفرح وعيدا سنويا، تتجدد فيه الصلة بإرث الأجداد من عادات وتقاليد وموروث ثقافي أصيل يعود لآلاف السنين.

فينار أوأناير كما يطلق عليه ببعض المناطق حسب الباحث في التراث الأمازيغي المحلي الأستاذ محمد مرداسي: “ما زال يحتفظ بأصالته ولم تفرغه العصرنة من محتواه التراثي والثقافي، حيث تحرص الكثير من العائلات لاسيما تلك التي تقطن بالمناطق الجبلية على طقوسه التي ظلت تمارس موسما بعد آخر”.

فإعداد طبق إيرشمن أو الشرشم (قمح ينقع في الماء ثم يغلى ويصفى لتضاف له كمية من الغرس أو التمر الطري) أو المخلطة (نفس الطبق تضاف إليه كمية من الفلفل الحار) إلى استبدال حجارة الموقد التقليدي الثلاثة وكذا استرجاع كل الأشياء التي تمت إعارتها لتكون في مكانها قبل حلول السنة الجديدة، كلها تفاصيل، تقول الحاجة حدودة خليف من أعالي قرية نارة بمنعة “لها أهميتها في إحياء رأس السنة الأمازيغية توارثتها النساء أما عن جدة، حيث تحرص ربات البيوت على استقبالها بأجمل الألبسة والمصوغات الفضية وهن في كامل زينتهن التي لا تكتمل عادة إلا بوضع الحناء والسواك والكحل”.

ومن العادات التي ظلت لصيقة بيناير بالجهة، تفيد من جهتها السيدة زرفة أوبالة من قرية ثاحبنت بإيشمول هي “خروج النسوة في فسحة إلى الحقول لجلب الحشائش والأغصان الخضراء لوضعها على مداخل البيوت التي أعيد طلاؤها وترتيب محتوياتها ونثر القمح المطبوخ في البساتين تيمنا بالعام الجديد، وأملا في أن تكون الطبيعة أكثر سخاء وعطاء لأن يناير عندنا مقترن بالفلاحة والأرض”.

 

المرأة عماد يناير وحارسه الأمين عبر الأجيال

يبرز دور المرأة جليا في الاحتفالات بيناير بكل منطقة الأوراس بما فيها باتنة، بل وما كان لطقوسه أن تبقى صامدة عبر الأجيال لولا إصرار ربات البيوت على نقلها بأمانة وجعل المناسبة عيدا ينتظره أفراد الأسرة بشغف لخصوصيته وتفانيهن في التحضير له.

وتحرص النساء بالمنطقة، حسب السيدة خديجة بريم من ضواحي آريس على أن تكون “الاحتفالات بينار حسب المتعارف عليه”، حيث تدوم ثلاثة أيام على أن يتميز كل يوم بطقوسه المعهودة والتي تشرف على تنفيذها ربة البيت ويبقى دور الرجل فيها ثانويا إلى حد كبير.

ويتميز اليوم الأول المصادف للثاني عشر يناير ويسمى (ينار أقذيم) أو يناير القديم، وفق المتحدثة بـ “تجديد كل أواني المطبخ خاصة الطينية وإنهاء مختلف أشغال النسيج من حياكة المفروشات والزرابي والألبسة التقليدية كالبرنوس والقشابية، فيما تتفرغن في اليوم الثالث عشر من يناير وهو ما يعرف بـ “ينار أجديذ أوأثرار” لإعداد الطبق التقليدي ليناير (أمنسي نيناير) ويعتمد عادة على اللحم سواء كان طازجا أو مجففا ومحفوظا بالملح ويسمى محليا أقديد أو القديد”.

وتستوجب العادة، وفق المتحدثة، أن تصاحب عشاء ينار 7 فواكه وخضر تحضر خصيصا للمناسبة عادة ما تتمثل في العنب والتين والبرقوق والمشمش المجففين والجوز والرمان والتمر وغيرها من المنتوجات الموسمية.

أما يوم الرابع عشر من يناير فيتميز عند النساء باستحضار عادة (أسليث نينار) أو ما يسمى بعروس ينار والتي تدور، حسب الجدة فافة أوباتة من إينوغيسن حول “تزيين فتاة صغيرة بأجمل الحلي الفضية والألبسة التقليدية ثم مرافقتها ضمن مجموعة من نساء القرية أو الدشرة لزيارة الأقارب والجيران كإشارة إلى الفرحة والابتهاج بالمناسبة السعيدة”.

أما الرجال فيقومون في هذا اليوم، حسب المتحدثة بالتنافس والتمتع بممارسة بعض الألعاب الشعبية المعروفة خاصة منها “ثاكورث” أو الكرة.

وتتخلل الاحتفالات بالمناسبة خلال الأيام الثلاثة حسب كل منطقة طقوس تتعلق في مجملها بالمرأة والأرض كرمز للخصوبة والعطاء، وأمل الجميع أن تحمل السنة الجديدة محاصيل وفيرة وسعة في الرزق.

ويبقى لإحياء يناير بالجهة سحره الخاص الذي يتجلى خاصة في الموروث الثقافي المادي واللامادي الذي يصاحب الطقوس الكثيرة والمختلفة المميزة للحدث، وإن كان بعضها يدخل ضمن الأساطير كالمعتقد الشعبي الذي يذهب إلى أن “الاحتفال بيناير يبعد الحسد وأذى الدهر”.

 

البيض.. الكسكسي أو “أتشو أزوار” طبق أصيل مرتبط بالمناسبة

يعد طبق الكسكسي أو ما يسمى محليا بـ «أتشو أزوار” أحد أهم الأطباق التقليدية للاحتفال برأس السنة الأمازيغية “يناير” لدى سكان مدينة بوسمغون جنوب ولاية البيض.

ويحتفل سكان هذه المنطقة الضاربة جذورها في التاريخ برأس السنة الأمازيغية وكلهم فخر بانتمائهم الأمازيغي، ولا يكاد يخلو بيت من بيوت بوسمغون خلال هذه المناسبة من طبق الكسكسي التقليدي المسمى بـ “أتشو ازوار”، حيث لا يزال أمازيغ بوسمغون يحافظون على إعداده منذ قرون وبالطريقة التي ورثوها عن الأجداد.

ويدخل في تحضير هذا الطبق كل من الدقيق الذي يتم تحضيره من طرف النسوة مع إضافة مختلف أنواع الخضروات والحبوب على غرار الفول والحمص والعدس والبازلاء والبطاطا والجزر والطماطم، فضلا عن “الكليلة” وهي نوع من اللبن المجفف وغيرها. كما يحرص سكان بوسمغون أن تكون مكونات هذا الطبق من إنتاج محلي من خلال ما تجود به واحة وبساتين بوسمغون من خيرات .

من جانبها، أبرزت معزوزي زوبيدة من سكان بوسمغون بأنه بعد إعداد هذا الطبق وتحضير المرق، يتم إضافة حبة تمر إلى هذا المرق ومن تكون من نصيبه “نواة” التمر، فيتفاؤل له بالنجاح في حياته، وهي طريقة لتحفيز أبنائهم على الاجتهاد في حياتهم، كما يتم إضافة حبة من فاكهة الرمان بعد الانتهاء من تحضير الطبق والشروع في تقديمه للعائلة.

كما يقدم سكان بوسمغون هذا الطبق في أوانٍ جديدة كما هو الشأن بالنسبة للقصعة أو ما تسمى “بالجفنة” المصنوعة بالخشب المحلي، والتي يجتمع حولها جميع أفراد العائلة، وهي عادة لا تزال باقية وراسخة لحد الآن، يضيف نفس المصدر.

ويتم أيضا خلال هذه المناسبة تقديم طبق “ملح ديمزريط” أو ما يسمى لدى البعض بـ “الشرشم” والذي يتكون أساسا من القمح والفول وحبات من البطاطا، حيث يقدم جنبا إلى جنب مع طبق الكسكسي أو “أتشو أزوار”.

 

مناسبة تعكس تشبث سكان الأطلس البليدي بهويتهم الأمازيغية

يحتفل سكان ولاية البليدة وخاصة القاطنون منهم بالقرى الواقعة على مستوى سلسلة الأطلس البليدي، وعلى غرار باقي ولايات الوطن، بحلول السنة الأمازيغية الجديدة المصادفة لـ 12 يناير من كل سنة بإحياء عادات وتقاليد ورثوها عن الأسلاف تعود لقرابة 3 آلاف سنة تعكس تمسكهم بهويتهم الأمازيغية.

وعلى عكس سكان مدينة البليدة القاطنين بالمناطق الحضرية الذين تخلوا عن العديد من العادات والتقاليد التي تميز الاحتفال برأس السنة الأمازيغية الجديدة، بحيث يقتصر الاحتفال ليلة 12 يناير فقط، لا تزال العائلات المنتمية للأعراش القاطنة على مستوى جبال سلسلة الأطلس البليدي محافظة على عادات وتقاليد تعود لآلاف السنين.

والاحتفال بحلول يناير تسبقه تحضيرات عديدة منها إعادة طلاء المنازل وكذا اقتناء أواني فخارية جديدة، بالإضافة إلى تغيير أحجار “الكانون” الذي يستعمل في طهي أطباق يناير، وفقا لذات المصدر. هذا إلى جانب توجه النسوة نحو البساتين والغابات المجاورة لجمع الأعشاب التي تستعمل في طهي عدد من الأطباق التقليدية المحلية.

 

أطباق تقليدية خاصة

وعملا بمقولة “نهار حشيش ونهار عيش ونهار ريش”، تقوم ربات البيوت في اليوم العاشر من يناير بتحضير الأطباق المكونة من أعشاب غابية وخضروات على غرار طبق “الحشلاف” المطهو بأعشاب الجبل وطبق “قطع وارمي” و”تبيخة” المكونين من جميع أنواع الخضر و”بطاطا فليو” الطبق المفضل لدى البليديين.

وفي اليوم الثاني يتم تحضير مختلف الوصفات المصنوعة من العجائن على غرار “البغرير” و”الخفاف” و”المعارك” تيمنا بسنة حلوة وكذا طبق “الكسكس” و”البركوكس”، فيما يجتمع أفراد العائلة، كبيرا وصغيرا، في اليوم الثالث على مائدة العشاء لتناول الطبق الرئيسي المحضر من لحم الدجاج والعجائن، بحيث تفضل أغلبية العائلات البليدية تحضير طبقي “الفطاير” و”الرشتة”.

ومن بين التقاليد التي تنفرد بها هذه المنطقة، تخصيص نصيب حتى لأفراد العائلة الغائبين لتمنح بعد انتهاء العشاء إلى عابري السبيل أو المحتاجين، وحتى الحيوانات يخصص لها نصيبها في صورة تعكس أسمى صور الرحمة والتآزر والتلاحم.

وتجسيدا لهذه القيم الانسانية، يقول السيد بن سونة، يحرص الجيران والأقارب على تبادل الأطباق المحضرة بهذه المناسبة التي لا تخلو من “الدراز” المكون من مختلف أنواع المكسرات والحلويات والفواكه التي تسكب فوق رأس الطفل الأصغر بالعائلة بعد وضعه داخل “قصعة” (طبق كبير) تيمنا بسنة مليئة بالخير ليتكفل بعدها أكبر أفراد العائلة بمنح كل واحد نصيبه بالتساوي.

وبالرغم من اختلاف عادات وتقاليد الإحتفال بحلول السنة الأمازيغية الجديدة من منطقة لأخرى، إلا أنها تبقى من أهم المناسبات التي توحد الشعب الجزائري حول هويته كونها تعد من ملامح الوحدة الوطنية خاصة بعد إضفاء الطابع الرسمي عليها واعتبارها عطلة مدفوعة الأجر ابتداء من سنة 2018.

ل. ب