تذكروا هادم اللذات

تذكروا هادم اللذات

الموت نهاية الحياة على الأرض، بانهدام بنيان الإنسان، لتبدأ حياة جديدة في عالم جديد، فالموت ليس فناء كما يعتقد الجاهلون، بل هو انتقال من دار إلى دار، وبرزخ يفصل بين حياتين، حياة الاختبار والابتلاء، وحياة الجزاء والبقاء، والحياة الحقيقية هي حياة الآخرة، قال تعالى ” بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى”، إن الحياة الدنيا مهما امتدت، ومهما طالت، ومهما صفت، فمصيرها إلى الزوال، وإن هي إلا أعوام وتنقضي، وربما كانت أياما، أو ساعات، وكم هي لبعض الناس بضع لحظات، فيصبح المرء بعدها في حفرة، وحيدا ليس معه الأولاد، ولا الأموال، ولا الزوجات، ولا خليل يناديه، كأنه لم ير الدنيا ولم تره، هذا إذا كانت الدنيا التي عاشها صافية له، ونقية، فكيف وقد ملئت الدنيا بالمشكلات والمنغصات، كم مر بنا من خير ومسرات؟ كم ضحكنا؟ كم بكينا؟ كم صححنا؟ كم سقمنا؟ كم عوفينا؟ تقلبات مرت بنا كأن لم تكن.

الموت أكبر من أن تقوله الألسنة وفوق أن تراه العيون أو تسمعه الآذان أو تتصوره العقول، لأن الموت إذا نزل أخرس الألسنة وأسكنها، وأعمى العيون وأذهبها، وأزعج القلوب وأرهبها، فهو مصيبة بكل المقاييس كما وصفه القرآن الكريم في قوله تعالى ” إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ المَوْتِ ” وليت الأمر يقتصر على الموت لهانت المصيبة، ولكن المصيبة فيما بعد الموت، فالويل كل الويل لمن كانت الدنيا أمله والخطايا عمله، الويل كل الويل لمن كان عالما بأمر دنياه، جاهلا بأمر آخرته، الويل كل الويل لمن كان يجزع إذا قل ماله، أو نقص، وما فطن لما من عمره ينتقص.

الموت حتم في موعده المقدر، لا مهرب منه، ولا جدوى في الفرار منه، فإنه يطلب الإنسان ويتبعه حيثما كان، وفي أي وقت كان، حتى يدركه فأنت أخي الشاب لا تأمن الموت، ولا تظن أنك في أمان منه، فقد يموت الصغير، ويعمر الشيخ الكبير، ويهلك الصحيح، ويصحُّ المريض؛ فكم من صغير دفنتَ، وشاب وشابة واريتَ؟ وكم من عروس قبرتَ؟ وشيخ عجوز عاصرتَ، كم من نفس في ساعتنا هذه تحتضر، وكم من جسد مسجى للصلاة عليه ينتظر، وكم من جسد في ساعتنا هذه يحثي عليه التراب ليستتر، لكننا مع الأسف الشديد نسيناه أو تناسيناه وكرهنا ذكره ولقياه مع يقيننا أنه لا محالة واقع وحاصل، قال تعالى ” أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُروجٍ مُّشَيَّدَةٍ “.