تزايد في الوتيرة وتنوع في التنفيذ… العنف ينتقل من أزقة الشوارع إلى غرف المنازل

تزايد في الوتيرة وتنوع في التنفيذ… العنف ينتقل من أزقة الشوارع إلى غرف المنازل

مازالت قصة الطفلة سندس ڤسوم ذات الست سنوات التي لقيت حتفها، العام الماضي، على يد زوجة عمها في بيتهم العائلي الذي يجمع الأسرة الكبيرة والكائن بحوش قاسمي بالدرارية بالعاصمة، راسخة في أذهان الجزائريين، والتي كانت من أبشع وأشهر الجرائم الداخلة في العنف الأسري. وقد شغلت هذه القضية الرأي العام الجزائري لما حملته من بشاعة، كما دقت ناقوس الخطر وساهمت في زعزعة الثقة  لدى الكثير من الأسر الجزائرية.

 

هذه القصة وغيرها أثبتت انتقال الجريمة في المجتمع الجزائري من الشارع إلى الأسرة، حيث لم تعد لغة الحوار والاتصال وسيلة لحل مشاكل العائلة الواحدة، وإنما حل محلها استعمال القوة والعنف، لتكون مصيبة العائلة ثلاثة، فتبكي فراق فرد دفنته وآخر زجّ به وراء القضبان، وتواجه الفضيحة وتلوك سمعتها الألسن.

 

أزمة أخلاقية تسببت في تنامي الظاهرة

أجمع أساتذة علم الإجتماع على أن المجتمع الجزائري يعيش أزمة أخلاقية، حيث تزعزعت قيمه التي نشأ عليها في غياب الوازع الديني و”استقالة” الأسرة من دورها في التربية والتنشئة الإجتماعية.

من جهتهم، يرى علماء النفس أن ظاهرة العنف في العائلة الجزائرية لم تولد من العدم، فتغيير المعايير الأخلاقية يؤثر على السلوك ويولّد العنف الذي ساهمت التحولات التي عرفها المجتمع في تناميه، وفي مقدمتها تفكك العائلة الكبيرة إلى نواة صغيرة لا تجمع إلا الزوجين والأبناء.

وفي هذا الصدد، تقول المختصة النفسية نسيمة مسعود إن الطفل اليوم لا يعرف الحدود التي لا يمكن تجاوزها، لكنه لو أدرك أن هناك عقابا على الممنوع لتوقّف، ولما تطورت الأمور وخرجت عن السيطرة. وأردفت قائلة: “في الماضي كانت العائلة موسعة يتدخل فيها جميع الأفراد في تربية الأبناء بطريقة سليمة، لكن الأسرة اليوم تجزأت والأولياء استقالوا عن أداء مهمتهم الأساسية وهي التربية”.

 

الكثير من الجرائم في الوسط العائلي تحدث لدوافع تافهة

والمطلع على ملفات الجرائم الأسرية يجد أن الكثير منها تحدث لدوافع تافهة، وغالبا ما يقف وراءها الجهل، الإنحطاط الأخلاقي، غياب الوازع الديني والكثير من العوامل المتداخلة، إضافة إلى بعض  العوامل الخارجية التي ساهمت أيضا في تغيير قيم مجتمعنا خاصة ما يتعلق بالغزو الثقافي والفكري الذي أثّر في تنشئة الجيل الجديد، لا سيما مع تراجع المستوى التعليمي.

من جانب آخر، أشارت النفسانية إلى أن العائلات الجزائرية تعيش تحت ضغط كبير، موضحة: “كل عائلة حالة في حد ذاتها، وإذا تغلغلنا فيها وجدنا أنها تعيش تحت ضغط كبير، وهذا سيولّد الانفجار في يوم ما”. والعنف داخل الأسرة يأخذ عدة أشكال، فهناك العنف الجسدي الذي يمارسه الأزواج ضد زوجاتهم، الآباء ضد أبنائهم وكذا الأشقاء، وقد يصل إلى القتل، غير أن الجرائم التي تأتي في الصدارة هي الضرب والجرح العمدي.

 

ضحايا العنف الأسري.. التبليغ ثم التراجع عن القضية

وحسب مصادر من الشرطة القضائية، فإنه عند وقوع الفعل يتنقل الضحية إلى المراكز الأمنية لإيداع شكوى، لكن الأغلبية لا يعودون بعد أن يطلب منهم أعوان الشرطة شهادة العجز، والأمهات في مقدمة هؤلاء، فأغلبيتهن يتراجعن ويسحبن الشكوى ضد الأبناء تجنبا للفضيحة ومراعاة للعادات والتقاليد.

 

الإعتداء على الأصول ….أسوأ أشكال العنف الأسري

الاعتداء على الأصول، أحد أكثر أشكال الجرائم المرتكبة في المحيط الأسري، وعند الحديث عنها يتبادر إلى الأذهان أن الأم هي الضحية الأولى للعنف الممارس من طرف فلذات الأكباد، لكن الواقع غير ذلك، حيث تؤكد مصادر من الشرطة القضائية أن القضايا المعالجة في الميدان تبيّن أن الأب هو الأكثر تعرّضا للعنف والجرائم التي يرتكبها الأبناء.

وتكشف الأرقام أن العنف والجرائم المرتكبة ضد الوالدين في تزايد، ففي الثلاثي الأول من السنة الجارية أحصت مصالح الشرطة 4 جرائم قتل ضد الأصول. وسجلت المصالح الأمنية، الدرك والشرطة، في نفس الفترة 635 قضية ضرب وجرح عمدي ضد الوالدين، وتحتل ولاية سطيف المرتبة الأولى وطنيا في جرائم الإعتداء على الأصول، وتبيّن الإحصائيات أن النساء من أكثر ضحايا العنف العائلي، حيث كانت 2082 امرأة ضحية لاعتداءات الزوج، الأخ، الأب والأبناء. ويأتي الأزواج في مقدمة المتورطين في هذه الجرائم، إذ سجلت في الفترة 465 حالة اعتداء على الزوجات من طرف أزواجهن، و150 قضية تورط فيها الأبناء ضد أمهاتهم، و123 كان وراءها الأشقاء، واعترف المتحدثون أن هذه الأرقام لا تعكس الواقع بالضرورة: “لا تصل شكاوى نسبة كبيرة من ضحايا العنف الأسري إلى المصالح الأمنية، خاصة إذا لم تنته إلى إزهاق روح”.

 

المختلون أو المدمنون على رأس قائمة المعنفين

وتشير الوقائع إلى أن مختلف الجرائم التي ترتكب داخل الأسرة الجزائرية، أبطالها أشخاص مدمنون على المخدرات أو المهلوسات أو الكحول أو مختلون عقليا.

كحالة شاب في الـ 14 سنة، مدمن على المخدرات، كان يمارس العنف على أسرته خاصة الأب الفاقد لإحدى عينيه، هذا الأخير عندما حضر أمام مصالح الدرك تفاجأ بفلذة كبده يهدده ودون خجل أو خوف بأن يفقأ عينك الأخرى، كما أن احتضان بعض العائلات لأبنائها المختلين عقليا يشكل خطرا عليها، فهناك بعض الجرائم  الفاعل فيها أبناء مختلون عقليا استعملوا أسلحة بيضاء في تنفيذ جرائمهم، وعوض أن يكونوا في مستشفى للأمراض العقلية للعلاج، احتضنتهم عائلاتهم.

ففي شهر فيفري 2014، وقعت جريمة قتل وراح ضحيتها الأب الذي قتلته ابنته المختلة عقليا. كما وقعت جريمتان أخرتان راحت ضحيتهما أم وأب، وكان بطلها الابن المختل ذهنيا.

لمياء بن دعاس