من ربوع بلادي

السياحة الجبلية بالجزائر…. تفاصيلها لا تُقارن مع أي مكان في العالم

السياحة الجبلية بالجزائر…. تفاصيلها لا تُقارن مع أي مكان في العالم

* جولة عبر أشهر المناطق الجبلية الجزائرية

الجزائر.. بلد بحجم قارة وبتضاريس العالم كله، فهي أكبر دولة بقارة إفريقيا من حيث المساحة، وتتمتع بمناظر طبيعية متنوعة والعديد من المدن الساحرة وساحل البحر الأبيض المتوسط والمناظر الطبيعية والآثار الرومانية، وبجمعها لكل هذه التنوعات الطبيعية، فهي غير قابلة للمنافسة مع أي مكان آخر في العالم.

بعيدا عن جهود الدولة الغائبة، فإن المجتمع المدني في الجزائر يعمل على جذب واستقطاب محبي السياحة الجبلية والترويج لها حتى عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وكذا تنظيم رحلات وخرجات سياحية للتعريف بما تزخر به الجزائر، فنقص الهياكل لم يثنِ من عزيمة محبي الجبال  التي يفضّل بعض الشباب السفر إليها والاستمتاع بالسياحة الجبلية بعيدا عن الفنادق لأنها وإن وجدت فإنها لا تتناسب مع إمكانياتهم القليلة، لذا فالتخييم هو أحسن بديل لهم، حيث يشكّلون أفواجا، خاصة أنهم في الغالب هم أصدقاء يتفقون على التنقل وإعداد العدة من الخيم والطعام الذي يتقدمه معدات الشواء بإقامة ولائم في الهواء الطلق مع أجواء من المرح والاستمتاع بمختلف النشاطات الرياضية كالتزحلق والصيد واستكشاف المناطق التي لطالما ساورهم الفضول حولها خاصة أنها كانت محرمة سنوات العشرية السوداء، حيث وبعد أن أصبحت الجزائر تنعم بالأمن والاستقرار، يساهم الكثيرون في بعث الحياة مجددا في المناطق الجبلية المنسية التي تشكل ثروة سياحية حقيقية.

 

الإستقرار ينعش المناطق الجبلية

يزداد إقبال الزائرين على هذه المناطق لا سيما مع عودة الاستقرار والأمن اللذين أعاد لها وجهها السياحي السابق، ومن بين المناطق السياحية الجبلية التي يفضل زيارتها معظم الجزائريين على غرار جبال الشريعة بالبليدة، غابات العوانة بجيجل، نجد غابات وجبال منطقة القبائل الكبرى بولاية تيزي وزو، وبالتحديد منطقة أزفون الساحلية، بني يني المشهورة بصناعة الحلي التقليدية، ومنطقة إعكوران بغاباتها الكثيفة الساحرة التي تكاد أشجارها تعانق عباب السماء.

 

إعكوران.. حيث الهدوء والإنتعاش

تعرف منطقة اعكوران إقبالا متميزا  للزوار باعتبارها نقطة عبور ومفترق طرق للعديد من الولايات الأخرى كبجاية، سطيف وغيرها، وهذا بشهادة الجميع، سواء تعلق الأمر بالزوار أم بسكان المنطقة في حد ذاتهم، ديكور سياحي تصنعه المنابع المائية والتحف الفخارية، يتمتع القاصد لهذا المكان بسحر المناظر الخلابة للغابات المحاذية للطريق الوطني رقم 12 الرابط بين تيزي وزو وبجاية، الذي يعد هو الآخر سبيلا تسلكه العائلات القادمة من الولايات الداخلية لتتوقف للراحة من عناء السفر، والانتعاش بمياه الينابيع الطبيعية المتواجدة بالمنطقة والتي ذاع صيتها خارج الولاية، بسبب ما تحتويه من أملاح معدنية تفيد صحة الجسم، بالإضافة إلى برودتها الطبيعية التي توحي للوهلة الأولى أنك أمام ماء تم تبريده اصطناعيا ويعد المنبع المنعش أو “لافونتان فراش” كما يحلو للكثيرين تسميته، هو المنبع الطبيعي لهذه المياه المتدفقة من باطن الأرض الذي أصبح يشهد توافد الكثير من الزوار وحتى المغتربين القادمين من مناطق نائية جدا طلبا لهذه المياه. ولا يفوت قاصد المكان أن يرى الدلاء، القارورات البلاستيكية تصطف لساعات طوال على طول الرصيف المحاذي للمنبع، التي ينتظر أصحابها حلول الدور الخاص بكل واحد للاستفادة من هذه الثروة المعدنية، وشغلت هذه الظاهرة بال السلطات المحلية لبلدية إعكوران التي قامت بتهيئة المنبع وبنائه وتقسيمه إلى ثلاثة منابع فرعية، وإلى جانب المنابع المائية التي تزخر بها المنطقة، تصنع معارض الأواني الفخارية ومستلزمات الزينة المنزلية مشهدا فنيا وسياحيا يسجل هو الآخر حضوره بقوة مع دخول فصل الصيف، حيث يتفنن أصحاب المعارض في عرض مختلف الأواني والجرار والحلي والأدوات الفخارية والتذكارات المعبرة عن عادات وتقاليد منطقة القبائل لتلبية أذواق الزبائن الذين يعج المكان بهم طلبا للحصول على تحفة فخارية من المنطقة.

اعتاد الوافدون إلى اعكوران ومستعملو الطريق الرابط بين ولايتي تيزي وزو وبجاية على رؤية قرد “الماغو” المنتمي إلى فصيلة الثدييات والذي يظهر فجائيا على قارعة الطريق لتحية المسافرين والسياح على طريقته، التي تجعل المعجبين يلقون إليه بقطع الخبز والمكسرات، التي تقيه عناء البحث عن الأكل. فيما يفضل آخرون أخذ صور تذكارية معه، ويتغذى هذا الحيوان الثديي، على أوراق الأشجار، وثمارها كالبلوط، والجذور، كما تزداد فرص الأكل عند الماغو بحلول فصل الربيع، حيث تكثر الديدان على سطح الأرض وجذوع الأشجار، ويستطيع هذا الحيوان أكل مايقارب 50 دودة في الدقيقة وهو بذلك يساهم في الحفاظ على الغابات والإبقاء على تنوعها البيولوجي، ويعيش قرد الماغو الذي يعد من بين 15 فصيلة من الثدييات التي أحصتها الجزائر في أعالي الأشجار التي تعد ملاذه بالليل، وحسب العارفين بهذا الحيوان الذي يتخذ من الجزائر والمغرب العربي ككل موطنا له، فإنه يتكاثر في الربيع المتميز بالطقس الملائم ووفرة الغذاء، ويصل صغير الماغو عند الولادة 800 غرام، ويصنف هذا الحيوان من بين الثدييات المهددة بالانقراض بسبب الحرائق المتكررة التي تأتي على الغابات وعمليات، والإتلاف الرهيب الذي يطال محيطه البيئي، وهو الأمر الذي يقلص من أعداده ويجبره على الهجرة للجبال والمناطق الوعرة التي لا تطالها يد الإنسان.

 

تيكجدة.. حين تخاطبك الطبيعة بتفاصيلها

تعتبر منطقة تيكجدة التي تقع في حضن جبال الأطلسي أشهر مناطق الجزائر السياحية، حيث مناظر الطبيعة الخضراء.

وتم تصنيفها عام 1983 ضمن “الحظائر الوطنية” لحمايتها من الإندثار، ويقصدها السياح من مختلف بلاد العالم لممارسة رياضة القفز بالمظلات، إلى جانب عدة رياضات أخرى كالتزحلق على الثلج في مسلك “اعكوكر” المرتفع ألفي متر عن سطح البحر.

وبزيارة تيكجدة، لا تفوتك زيارة منطقة “آسول”، للتمتع بمغاراتها العميقة، مثل ”فوهة النمر” التي يصل عمقها إلى 1007 أمتار، وهي أعمق هوة في إفريقيا، وبالقرب منها “مغارة الجليد” التي تحتفظ بكميات كبيرة من الثلوج حتى في أشد أيام الصيف حرارة.

وعند النزول ستواجه مسلكا بريا حذرا، تزاحمك فيه الأبقار البرية، فضلا عن حيوانات أخرى كالقردة التي تقفز فوق أغصان أشجار الأرز، أو تلك المنتشرة على الطريق في انتظار الطعام الذي يجود به الزوار.

كما يمكن اختيار أحد المسالك الجبلية الاثني عشر التي تحويها لممارسة رياضة المشي بين الجبال “الهايكنغ”.

ويمكنك التوجه إلى بحيرة “أغولميم”، حيث فرصتك لممارسة رياضة التزلج على الجليد على مساحة قدرها ثلاثة هكتارات، وهي البحيرة المصنفة من قبل منظمة اليونيسكو كأعلى بحيرة في إفريقيا، حيث تقع على ارتفاع 1745 مترا أعلى جبال جرجرة.

 

غابة ذراع الناقة.. الاستشفاء في حضن الطبيعة

تقع في جبال المريج على ارتفاع تسعمئة متر، وهي من أجمل المحميات الطبيعية في قسنطينة، حيث لا صوت يعلو فوق صوت الطبيعة، فهي منتجع طبيعي للاستشفاء.

وتتربع الغابة على مساحة قدرها ثلاثين هكتارا مخصصا للتنزه من بين 202 هكتار من أراضي الغابات.

الوصول إليها يكون عبر السيارة مرورا بقرية المريج، وللتوغل لاكتشاف الطبيعة البكر لوادي الدفلى يجب عليك المشي على الأقدام مسافة ثمانية كيلومترات لتستمتع بتفاصيلها.

 

شلالات تامدة بولاية ميلة.. مركز التجوال الرياضي

واحدة من أفضل الوجهات لمحبي التجوال الرياضي في الجبال، منطقة تستحق الزيارة وتقع في قرية تامدة ببلدية أحمد راشدي التي تبعد حوالي 45 كلم عن ولاية ميلة.

بخلاف الشلالات يحوي الموقع كثيرا من المواقع الأثرية، أهمها مدينة رومانية تقع في السفح الشمالي لجبل بلعيد، إضافة إلى عدد من المعالم الأثرية غير الواضحة لمذبح منحوت في الصخر، يُقال إنه خاص بالإله “سيلفانوس” إله الغابات والحقول والقطعان وحارس الوطن لدى الحضارة الرومانية.

 

سد إيراقن.. مناظر بانورامية ساحرة

تبعد عن ولاية “جيجل” ستين كيلومترا، وتتميز بسدها الأخطبوطي الأزرق، حيث تواجهك مناظر بانورامية ساحرة، لتمر بقرية “بيدا” ومنازلها التقليدية ومنبع غبالة والآثار الرومانية، دخولا إلى ضفة السد بجزره المترامية في الوسط.

وفيما تجلس على الشاطئ ستقابلك جبال تبابورت، وستتمكن من ممارسة هواية صيد السمك، بعدها يمكنك شواؤه وتناوله على ضفة مياه السد العذبة لتي تمتزج بها الزرقة مع خضرة الأشجار المحاذية للمكان.

وبعد تناول الغداء، استمتع باستئجار “فلوكة” للقيام برحلة تجوب فيها كامل أرجاء المكان.

 

جبال تيمزقيدة.. جنة بين أشجار الزان

تقع على ارتفاع 1626 مترا في مسلك رائع بين أشجار الزان، مرورا ببحيرة غدير أم لحناش المتجمدة، أعلى بحيرة في الشرق الجزائري على علو 1200 متر، فيما يتجاوز سمك الثلوج 120 سنتمترا، وعند وصولك للقمة ستقابلك شرقا سلسلة جبال بني عافر، وشمالا سلسلة جبال قروش، وغربا سد إيراقن، وجبال تبابورت، وسرج الغول، وجنوبا جبال سطيف، وكلها أماكن مناسبة للرياضات الجبلية.

 

تالا غيلاف في تيزي وزو … كنز الأشجار الطبية

جبال تالا غيلاف في تيزي وزو، تقع على علو يتراوح بين 1500 متر حتى 1900 مترا، في مسلك رائع بين أشجار الأرز الأطلسي، وقردة الماغو.

تعتبر من المناطق المهمة لممارسة التزلج والتخييم والتسلق للمغامرين، كما تحتوي على نحو 350 نوعا من الأشجار، تسعون منها معترف بقيمته الطبية.

 

غابة سرايدي.. أفضل مكان للرياضة الجبلية بعنابة

وتسمى أيضا جبال إيذوغ، وتعتبر أفضل مكان للرياضات الجبلية في عنابة، وتحتوي على تنوع بيئي كبير ومما يزيدها جمالا إطلالتها على البحر، ويمكنك ركوب “التليفريك” للتنزه بين أرجاء المكان، متجنبا الطبيعة الجبلية الوعرة.

 

الحديقة الوطنية ثنية الحد أو جنة الأرز

تحمل أيضا اسم جنة الأرز، وهي أول منطقة محمية في الجزائر، وتوجد بولاية تيسمسيلت، وهي مصنفة في المرتبة الثالثة عالميا للمناطق الغنية بأشجار الأرز، وتمتد على مساحة إجمالية تقدر بـ3425 هكتارا، إضافة للصنوبر الحلبي والبلوط الأخضر والبلوط الفليني والطحالب والنباتات الجبلية.

هناك يمكنك التمتع بمشاهدة الحيوانات المحمية مثل الحرباء وحرباء الحائط والحية غير السامة والسلاحف، بالإضافة إلى البرمائيات كالضفادع، والثدييات مثل الأرنب البري، والخنزير الذي يمرح بين مسالكها، إضافة إلى حيوانات أخرى، حيث تزخر الحديقة بنحو 72 نوعا من الحيوانات المحمية.

 

شلالات القلتة الزرقاء.. من أجمل ما تراه عيناك

تقع في حمام النبايل وتبعد نحو 32 كيلومترا عن مدينة قالمة، ومن الصعب الوصول لتضاريسها الوعرة، لكن الأمر يستحق العناء. درجة برودة مياهها لا تحتمل، فعلى من يريد السباحة أن يأخذ احتياطاته.

 

غابة جبل الوحش .. أشجار عملاقة ونادرة

من أروع الغابات في الجزائر من حيث التنوع البيئي، حيث تتميز بوجود العديد من أنواع الأشجار العملاقة، ومنها ما يتجاوز ارتفاعه أربعين مترا، كأشجار الأرز الأطلسي وأشجار الزان والتنوب النوميدي الذي لا يوجد إلا في جبال بابور سطيف، وشجرة السيكويا التي تعد من أضخم الأشجار في العالم ولا تتواجد إلا في كاليفورنيا بأمريكا.

لمياء بن دعاس