تواصل حالات الموت اختناقا… القاتل الصامت يودي بحياة الجزائريين رغم حملات التوعية

تواصل حالات الموت اختناقا… القاتل الصامت يودي بحياة الجزائريين رغم حملات التوعية

يواصل القاتل الصامت “أحادي أكسيد الكربون” حصد المزيد من الأرواح وإلحاق أضرار جسدية كبيرة بمختلف المدن الجزائرية، على الرغم من الحملات المستمرة للتوعية ضد مخاطر الغاز ومختلف المواد القابلة للاحتراق، ومع تكرار مثل هذه الحوادث، ولاسيما في فصل الشتاء، يطالب خبراء الوقاية والأمن باحترام مقاييس الأمان وتعزيز الحس الأمني.

ما يزال غاز أحادي أكسيد الكربون يحصد الأرواح، حيث لقي 11 شخصا حتفهم وتم إسعاف 72 آخرين إثر تسرب لغاز أحادي أكسيد الكربون من مختلف وسائل التدفئة، وذلك منذ بداية شهر جانفي الجاري، حسب ما أفادت به حصيلة لمصالح الحماية المدنية.

وأوضح ذات المصدر أن هذه الحوادث تقع “نتيجة أخطاء في الوقاية مثل نقص أو انعدام التهوية داخل المنازل السكنية، التركيب السيئ، قِدم الأجهزة، استعمال جهاز الطبخ كوسيلة للتدفئة”.

وحسب ذات المصالح، فإن الوقاية من هذه الظاهرة “ظلت من أولويات المديرية العامة للحماية المدنية عن طريق التحسيس والتوعية لفائدة المواطنين بهدف إرساء ثقافة وقائية للحد أو التقليل من نسبة الضحايا”.

 

التسمم بأحادي أكسيد الكربون لا ينتج فقط عن الميثان والبوتان

أرجع سعيداني الهواري، مهندس الوقاية والأمن بمديرية توزيع الكهرباء والغاز، الأسباب الرئيسية لهذا النوع من الحوادث إلى عدم احترام مقاييس الأمان أثناء تركيب تجهيزات التدفئة وكذا غياب فتحات التهوية وقنوات صرف الغازات السامة التي تعتبر ركيزة أساسية لتفادي حدوث التسممات بغاز أحادي أكسيد الكربون، وخاصة فترات النوم العميق.

ووفقا لنفس المصدر، فقد أثبتت التحليلات والخرجات الميدانية التي أجرتها المديرية،  أنّ التسمم بـ (CO) ليس محصورا بالعمليات التي تشمل الغاز الطبيعي “الميثان” أو غاز القارورة “البوتان”، وإنما قد تنتجه محركات الآلات والمركبات التي تعمل بالبنزين أو شوايات الفحم أو الأخشاب أوالبروبان أو أي مادة قابلة للاحتراق، كما يمكن أن تؤدي الأجهزة والمحركات سيئة التهوية إلى تراكم أول أكسيد الكربون حتى يصل إلى مستويات خطيرة، وخصوصا في الأماكن المغلقة أو محكمة الغلق في مثل معادلة الاحتراق غير التام.

وأشار إلى أن حوادث أكسيد الكربون أكثر من الغاز الطبيعي، لأن هذا الأخير له رائحة ويكون التدخل عاجلا عن طريق فتح النوافذ وغلق المحبس مع الاتصال بشركة الغاز أو الحماية أو حرفي معتمد، أما أحادي أكسيد الكربون، فهو من الغازات الشديدة السمية، عديم اللون والرائحة وعديم النكهة (الطعم)، ينتج من عمليّة الأكسدة الجزئيّة أو الاحتراق غير التام للكربون والمركبات العضوية في حال عدم وجود الأكسيجين أو عند احتراق ذي حرارة مرتفعة جدا.

ويحدث التسمم بأحادي أكسيد الكربون، حسب نفس التوضيحات، عندما يتراكم في مجرى الدم، وعندما يكون الهواء مليئا بأول أكسيد الكربون أكثر من اللازم، حيث يقوم الجسم باستبدال الأكسجين الموجود في خلايا الدم الحمراء بأول أكسيد الكربون، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تلف خطير في الأنسجة، مما قد يسبب الوفاة وفي أحسن الحالات يتعرض الشخص إلى إعاقة، وذلك في حالة تراكم أول أكسيد الكربون إلى مستويات خطيرة.

وعلى ضوء ذلك حذّر الخبير سعيداني الهواري أنه كلما ارتفعت نسبة تركيز الغاز في الهواء المستنشق ومدة التعرض للغاز كلما ازدادت خطورة التسمم بغاز أحادي أكسيد الكربون: فنسبة 0.1٪ من الـ (CO) تؤدي إلى الوفاة في ظرف 3 ساعات، وفي حالة بلغت النسبة 1٪ تحدث الوفاة في ظرف 15 د، أما إذا كان تركيز الغاز 10٪ فإنه يقتل مباشرة.

 

مديرية التجارة: وسائل التدفئة في السوق المحلية تستجيب للمقاييس العالمية

أرجع جميع المختصين والخبراء السبب الرئيسي الناتج عن أحادي أكسيد الكربون إلى غياب الضوابط الأمنية في البنايات ولاسيما “التهوية”، وهذا ما أوضحته أيضا بوجمعة وردية، المفتش الرئيسي لقمع الغش على مستوى مديرية التجارة لولاية وهران، والتي أكدت أن وسائل التدفئة المنزلية وسخانات الماء المختلفة التي تباع في السوق المحلية تستجيب للمقاييس العالمية.

وأشارت بوجمعة إلى تواجد ثلاث وحدات إنتاج بعلامات مختلفة بوهران، إضافة إلى 70 محل تجزئة، تخضع جميعها لمراقبة دورية وصارمة من قبل أعوان الرقابة والتفتيش، ولم يتم، حسبها، العثور على أجهزة تدفئة أو وسائل التسخين غير مطابقة،  وذلك من خلال مراقبة الوسم وشهادة الضمان.

 

جهاز الكشف عن القاتل الصامت.. مجهول ومتروك رغم حيويته

يعد الجهاز الكاشف عن غاز أول أكسيد الكربون من أهم الوسائل التي تلعب دورا كبيرا في التنبيه من التسربات الغازية، غير أن عدم وعي المواطنين بحيوية استعمال الجهاز وأهميته يبقى عائقا أساسيا في انتشار استخدامه بين العائلات.

ويلعب الجهاز دورا كبيرا في التنبيه عن التسربات الغازية القاتلة أثناء استعمال أجهزة التدفئة سيما وأن التسربات الغازية أصبحت تحصد المزيد من الأرواح، إلا أن أصداء بعض المواطنين من ولاية تيارت – على سبيل الاستدلال-  عكست عدم الاهتمام  باستعمال هذا الجهاز الكاشف وسطحية المعلومات المتوافرة لديهم عنه، حيث قال أحد المواطنين في ميكروفون إذاعة الجزائر من تيارت “عندي فكرة عن الجهاز لكنني أقوم باحتياطاتي الخاصة.. والله الحافظ”.

فيما عبر مواطن آخر عن استيائه للأسعار التي يباع بها جهاز كاشف أحادي أكسيد الكربون، والتي تبقى سببا في عزوف العائلات عن اقتنائه، وقال “لدينا معلومات بسيطة عنه، وشاهدناه في محلات أدوات الترصيص، لكن ثمنه باهض، ولذلك فهو غير متاح للجميع، كنا نتمنى أن يتم تسويقه بأسعار ملائمة لغالبية العائلات”.

من جانبها، تنظم مصالح التجارة لولاية تيارت خرجات دورية لمراقبة مدى تطابق هذا الجهاز الكاشف عن غاز أول أكسيد الكربون مع معايير السلامة الصحية على مستوى الأسواق، وقد أوضحت هند عابدي رئيسة مصلحة حماية المستهلك وقمع الغش بمديرية التجارة لولاية تيارت أن مهام مصالحها تبدأ من الوقوف عند البيانات الإجبارية للمنتجات كالوسم، العلامة التجارية واسم المنتج وكيفية استعماله ومنشأه.

وأضافت هند عابدي بالقول “فيما يتعلق بالمنتجات الخاصة باستهلاك الغاز، سيما التدفئة، نقوم باقتطاع عينات قبل بيع المنتوج في السوق وفي حال ما يكون المنتج غير مطابق للمواصفات التقنية، يتم سحبه ومتابعة الشركة المنتجة أو المستوردة”.

لمياء بن دعاس