اتجهت الهيئات الحكومية والحركة الجمعوية والمجتمع ككل في السنوات الأخيرة، إلى المراهنة على دور المسجد في محاربة مختلف الآفات الاجتماعية من هجرة غير شرعية، إدمان على المخدرات والعنف، على اعتبار أنه من أكثر المؤسسات تأثيرا على مختلف الشرائح العمرية، لأن خطابه المبني على المرجعية الدينية له قابلية الإقناع والتغيير، وباعتبار المرأة الطرف الأبرز في المجتمع ومشهود بدورها الفعال في تربية النشء وعموم أفراد المجتمع، فإن المساعي متواصلة لتوسيع نشاطها ودورها في المؤسسات الدينية لمحاربة الآفات.
وفي هذا السياق كانت قد نظمت جمعية “المرأة الناشطة” بتيزي وزو، يوما تحسيسيا حول الآفات الاجتماعية، خاصة في المحيط المدرسي، وهذا من أجل الدعوة إلى تضافر الجهود لإنقاذ الشباب في الوسط المدرسي والوسط المفتوح من الانحراف والسقوط في مستنقع الآفات الاجتماعية، مؤكدة على أهمية إشراك جميع القطاعات وأطراف المجتمع المدني لمساعدة هذه الشريحة من الانهيار الخلقي والتربوي، وتجنب فساد المجتمعات.
من جهتها، أكدت هاشمي جوهر، رئيسة جمعية “المرأة الناشطة”، أن الجمعية تسعى منذ نشأتها إلى التحسيس والتوعية ضد مختلف الآفات الاجتماعية التي تهدد الشباب والمجتمع، موضحة أن هذا النشاط يدخل ضمن استراتيجية حملة التحسيس والوقاية ضد الآفات الاجتماعية، التي تستهدف تحديث روح اليقظة والوعي الاجتماعي، ولفت انتباه الأولياء والأطراف المعنية بالتربية إلى ضرورة إبراز القدرات الثقافية للطفل، من خلال اتباع طرق المكافحة والوقاية بدون توقف ضد الأخطار التي تحدق بهم.
آفات تعددت وعدد الضحايا في تزايد
وقالت السيدة هاشمي إن الجمعية تهدف إلى تقوية استراتيجية محاربة مختلف أنواع الآفات الاجتماعية المهددة لكيان المجتمع، ومنها العنف، الإجرام، التشاؤم، التسرب المدرسي، التطرف، أخطار الأنترنت، المخدرات وغيرها من الآفات المنتشرة في الوسط المدرسي والوسط المفتوح، داعية في السياق ذاته إلى التحسيس المتواصل والعمل على تحديث ميكانيزمات وتفعيل دور مختلف القطاعات لضمان حماية الشباب، مؤكدة على أن الكل معني بهذه المسؤولية والخطر الذي يحدق بالجيل الناشئ، مما يؤكد الحاجة إلى حملات تحسيسية جوارية، وتحقيق تنمية بشرية تضمن بلوغ تنمية اقتصادية، تستهدف رفع مشعل التنمية البشرية.
من جهته، أكد رشيد بالخير، طبيب نفسي وعضو بجمعية “المرأة الناشطة”، “أنه على الأولياء توخي حذر المخاطر التي تحدق بأبنائهم، والتي لم تعد تقتصر على الشارع فحسب، وإنما داخل البيت أيضا، من خلال ضمان المراقبة المستمرة لاستخدامات تكنولوجيات الاتصال التي أصبحت خطرا جديدا يهدد مستقبل الطفل”، داعيا في السياق ذاته إلى ضرورة استمرار التحسيس أمام ظهور آفات اجتماعية جديدة بشكل مستمر، مضيفا “أن الجمعيات اليوم لم تعد مهامها تقتصر على الأنشطة المناسباتية، وإنما يجب إقحامها في العمل التحسيسي الدائم، وهو ما من شأنه خلق ديناميكية اجتماعية تضمن تطوير وتحقيق التنمية البشرية”.
المؤسسات الدينية.. نشاطات مسطرة ودائمة
أكدت عتيقة عايسي، دكتورة في العلوم الشرعية تخصص “الكتاب والسنة” أن المؤسسات المسجدية شأنها شأن باقي المؤسسات الأخرى، تبني نشاطها على برنامج مسطر، يهدف إلى نشر مختلف الأحكام الشرعية والمفاهيم الأخلاقية والمجتمعية والثقافية، التي تأتي في شكل دروس ومواعظ، وتقول “تعمل المؤسسة المسجدية على شحذ وتطوير ذات الفرد، ولعل أهم خصوصية تنفرد بها عن غيرها، لاسيما تلك المنتشرة في الأحياء الشعبية، أنها تضمن للفرد أن يتربى ويتعلّم ضمن مجموعة صغيرة تسمح له بالخروج بمجموعة من الأخلاقيات الطيبة”.
وقالت المتحدثة إن البحث فيما إذا كان حقيقة المسجد يقوم بالدور المنوط به، يحتاج إلى بحث ودراسة، لكن انطلاقا من تجربتها، فإن المؤسسات المسجدية، خاصة تلك التي تحوي مدارس قرآنية، تقوم بالدور المنوط بها في شقه الاجتماعي على أكمل وجه، مشيرة إلى أنه على مستوى ولاية باتنة، هناك توافد كبير على ما تحضره المؤسسات المسجدية من برامج دينية تعليمية تربوية تجلب إليها الفئة الشابة بشكل خاص.
أوضحت المتحدثة في حديث سابق للصحافة، أنه يفترض أن المؤسسة المسجدية لا تحتاج إلى تبني طريقة معينة لتحبيب الأفراد في التردد عليها، لأنها موجودة بحكم الانتماء إلى العقيدة الدينية لدى كل الأفراد، وهو ما لاحظته المتحدثة في مختلف الخرجات التي قامت بها، تقول “وقفت على حب الاحتكاك بهذه المؤسسات لدى عامة الناس، بالتالي لا أحبذ فكرة الحديث عن الإقبال لأنه موجود، يبقى فقط التأكيد على المداومة والاستمرارية في التردد عليها”، وتضيف أنه عند الحديث عن مدى التردد والمداومة على المؤسسات المسجدية، نستثني العنصر الذكري الذي تربطه بها مواعيد الصلوات الخمس، ويطرح بالنسبة للعنصر النسوي خاصة في المناطق النائية، حيث نجد أنها لا ترتاد هذه المؤسسات لعدة أسباب، منها العادات والعرف، رغم أن المرأة يفترض أنها نصف المجتمع، وتوكل لها مهمة التربية، بالتالي المرأة هي الأولى في مثل هذه المؤسسات المجتمعية، خاصة إذا علمنا أن للرجل عادة دور محدد في العائلة، يتمثّل في تأمين الحماية للأسرة وتغذيتها، غير أن الحمل الأكبر يقع على عاتق المرأة.
تضيف الدكتورة “في المقابل، نجد أن تردد المرأة على المؤسسات المسجدية بالمناطق الحضرية كبير على خلاف المناطق النائية، وفي أحيان أخرى يفوق عدد الرجال، خاصة في الفترة المسائية، بعد أن يفرغن من أشغال البيت”. بالمناسبة، يتم تكييف برامج المؤسسات المسجدية لتزويدهن بجملة من المعطيات الدينية والاجتماعية، تساعدهن على تسيير أسرهم ومعرفة كيفية محاربة ومواجهة مختلف المشاكل التي قد تصادفهم، مشيرة في السياق، إلى أنها اضطرت بالنظر إلى كثرة الوافدات على المسجد بولاية باتنة، إلى فتح مكتب خاص بالمسجد لمساعدة النساء على حل مشاكلهن التي يغلب عليها الطابع الاجتماعي أكثر من الديني.
ولعل ما ينبغي التأكيد عليه اليوم، حسب الدكتورة عايسي، أن المؤسسات المسجدية تقوم بدورها، بالنظر إلى تفشي الآفات الاجتماعية، والسعي أكثر فأكثر إلى إبراز دورها المجتمعي، بالتركيز على الأنشطة التوجيهية والتربوية، وتعزيز دور التنشئة الاجتماعية من خلال التكثيف من مختلف الدروس لفائدة عامة الناس، مشيرة إلى أن بناء أجيال متشبعة بالقيم الدينية والمجتمعية يحتاج إلى ربط الأطفال في السنوات الأولى من أعمارهم بالمؤسسات الدينية.
ق. م