ثراء تاريخي وبيولوجي يحولها إلى قبلة للباحثين, “النعامة”.. معالم سياحية مهددة بالإندثار

ثراء تاريخي وبيولوجي يحولها إلى قبلة للباحثين, “النعامة”.. معالم سياحية مهددة بالإندثار

تتوفر ولاية النعامة على مناظر طبيعية خلابة سيما واحات، جبال، كثبان رملية، بحيرات، كهوف ومغارات مشكلة بذلك متحفا طبيعيا مفتوحا، مما يؤهلها لأن تكون قطبا سياحيا بامتياز.

ومن مواقعها السياحية قلعة الشيخ بوعمامة الشاهدة العيان على مقاومة البطل بوعمامة، وهي قلعة بنيت من الطين ومن جذوع النخيل بها أبراج للمراقبة.

وتعتبر بلدية “تيوت” أحد المعالم الأثرية بالمنطقة، وهي بلدة الصخور المنقوشة التي اكتشفت سنة 1847 تروي جانبا من التاريخ.

تزخر واحة تيوت بالعديد من المواقع الأثرية الضاربة في التاريخ، ومنها قصرها العتيق الذي يعد صرحا عمرانيا ومعلما تراثيا كفيلا بإنعاش حركية الجذب السياحي، لكن تلك المواقع ما تزال تبحث عن المزيد من الاهتمام والتثمين.

ويتطلع سكان تيوت الواقعة بواحات القصور، غرب سلسلة جبال الأطلس الصحراوي، إلى عودة الإنتعاش الذي عرفه النشاط السياحي بهذه المنطقة إلى سابق عهده، والعناية بالمواقع الأثرية ومنها القصر العتيق وتثمين المنتوج السياحي المحلي، إضافة إلى ترقية مرافق الإستقبال، كما أكد ذلك فاعلون وناشطون في الميدان السياحي بالمنطقة.

ويعود تراجع مستوى الخدمات السياحية بالمنطقة خلال السنوات الأخيرة – حسب ناشطين في القطاع السياحي بتيوت ـ إلى غياب مرشدين سياحيين مؤهلين لمرافقة الوافدين من السياح، وخصوصا الأجانب منهم فضلا عن قلة البرامج الإعلامية والتحسيسية التي تعرّف بالمواقع السياحية التي تتوفر عليها المنطقة وإبراز القدرات التاريخية والطبيعية التي من شأنها استقطاب عدد كبير من الزوار.

 

المعالم التاريخية والنقوش الصخرية رافد من روافد التنمية

أشار هنين محمد رئيس الجمعية الوطنية السياحية “كنوز الجزائر” التي تأسست ببلدية تيوت شهر جوان الفارط، إلى أن توفر المنطقة على رصيد هام من التراث المادي الذي يشكل أهمية تاريخية كبيرة يجعلها مدينة سياحية بامتياز، ومن هذه المؤهلات قصر تيوت القديم ومسجده العتيق اللذان بنيا مطلع القرن الرابع عشر ميلادي (حوالي 1305ميلادي) -حسب التقديرات التاريخية ـ بنمط بناء تقليدي وهندسة صحراوية تلائم خصوصيات ومناخ المنطقة وقرابة 40 بيتا عائليا أغلبها متاحف عرض صغيرة للأدوات التقليدية وأخرى كورشات صغيرة لصناعة التحف اليدوية لعدة منتوجات كالنسيج وسعف النخيل و الصوف وغيرها.

ولعل ما يميز بلدة تيوت تنوع معالمها الأثرية التاريخية والطبيعية، ما يجعلها أحد الروافد الحقيقية للنهوض بالقطاع السياحي بالولاية إذا ما لقيت العناية الكافية، حيث تجمع هذه المنطقة بين نمط معماري ممثلا في قصرها القديم الذي بني من الطين

والحجارة وما يزال يتحدى الزمن والنقوش الصخرية الممتدة إلى العهود القديمة والمناظر الطبيعية التي يقصدها الزوار والعائلات من كافة المناطق لكن بشكل محتشم نوعا ما في السنوات الأخيرة، وفقا للمتحدث.

وتعد النقوش الصخرية من أهم المواقع السياحية التي تستقطب السياح بتيوت و أهمها “الحجرة المكتوبة” التي تروي قصص وحكايات السكان القدامى الذين استوطنوا بالمنطقة منذ أمد بعيد (800 سنة قبل الميلاد حسب تقديرات المؤرخين)

وغيرها من المواقع التي تحتاج إلى مزيد من التمحيص العلمي وبرمجة جولات سياحية للاستكشاف وغرس الحس والوعي بحماية التراث السياحي والعناية به لدى أطفال المدارس، استنادا لهنين محمد.

 

سكان القصر القديم ينتظرون الإلتفاتة…

ومن المواقع الأخرى بتيوت الحاجز المائي الذي يتغذى من ينابيع “عين عيسى”، وكذا بئر جوفي يسمى “عين لحلاف” الذي يتميز بخصائصه العلاجية للأمراض الجلدية والذي تراجع منسوبه بشكل محسوس، كما أكد من جهته رئيس جمعية القصر القديم لتيوت أحمد بوطراد.

ويضيف السيد بوطراد واصفا القصر القديم “إنه يتميز بجمال التصميم وقوة أبوابه التي تغلق بالمزاليج وتصنع من خشب الرمان أو من جذوع النخل، وتتكون بيوته من طابقين العلوي مخصص للعائلة والضيوف والسفلي لتخزين المؤونة والمواشي.

ويتوسط قصر تيوت مسجد عتيق وقاعة تدريس للقرآن الكريم تدعى بالأمازيغية “تخربيشت”، وتؤدي إليه كل الدروب و غير بعيد عنه توجد ساحة عمومية تدعى “تاسفلت” أعدت للراحة وعقد الإجتماعات.

ويتحسر الشيخ بوطراد كثيرا لما آلت إليه بناءات القصر بعد أن إنهارت، بل و اندثرت أجزاء كثيرة من الأسوار والأزقة وأبراج المراقبة الدائرية الشكل وأفران إعداد مادة الجبس التقليدية التي استعملت في بناء سد تيوت قديما وصنع الأواني الفخارية .

كما أشار رحو عبد الرحمان وهو أحد سكان قصر تيوت ومهتم بالسياحة والتراث و الثقافة الشعبية إلى ضرورة عناية البلدية والجمعيات والمرشدين السياحيين ومديرية السياحة والصناعة التقليدية والخواص بتفعيل دور السياحة كمورد جبائي ومحفز لتقليص البطالة بالبلدية التي تبحث عن إستقطاب مستثمرين لإنشاء مشاريع سياحية وورشات لتكوين الحرفيين من أجل إنعاش هذا المورد الإقتصادي الهام.

 

ضرورة الترويج لمؤهلات تيوت السياحية عبر استخدام تكنولوجيات الإتصال…

ويعتبر الباحث عقون أحمد عضو بجمعية أصدقاء الأطلس الصحراوي لولاية النعامة، بأن إعادة بعث وترقية السياحة التراثية بهذه الجهة من الولاية يمر عبر إعداد تطبيقات إلكترونية عبر شبكة الأنترنت وتحرك الوكالات السياحية المحلية في هذا الإتجاه وتوفر ممونين كفيل بإنشاء مواقع إلكترونية وخدمات للإتصال والترويج السياحي تسهل تعرف السياح على الوجهات والمسارات السياحية بالمنطقة ودعوتهم لاستكشافها.

وحث ذات الناشط الجمعوي على أهمية تزويد البلدية بهياكل فندقية تستجيب لمتطلبات الوافدين إليها، إذ هي تقتصر حاليا على بيت للشباب ومنطقة للتخييم لا تتجاوز قدرات استيعابهما إجمالا 30 سريرا مع الإلتفاتة العاجلة لتحديد واضح لمعالم المناطق الأثرية وإنشاء مراكز للحراسة و المراقبة بالقرب منها للحد من الإعتداءات و التشويه الذي تتعرض له بعض المناطق العمرانية القديمة وخصوصا محطات النقوش الصخرية.

 

مشاريع سياحية بتيوت لتوفير مرافق للإستقبال…

وسطرت المصالح المعنية وفي مقدمتها مديريتا السياحة والصناعات التقليدية والثقافة عدة مخططات وبرامج تستهدف بعث المواقع السياحية والتراثية بمنطقة تيوت، من خلال تهيئتها وحمايتها كعملية الترميم التي جرت في مراحل بين 2003 و2012 ومست صيانة الأجزاء المتدهورة من قصر تيوت.

كما تعكف مديرية السياحة والصناعات التقليدية على إعداد مخطط شامل لتهيئة منطقة التوسع السياحي بواحة تيوت المقترحة للتصنيف، والذي يمتد على مساحة بنحو 200 هكتار، استنادا إلى ذات المصالح.

ويجري العمل على ترقية الإستثمارات الموجهة للقطاع السياحي بتيوت باعتماد عدد من المشاريع للدفع بالنشاط السياحي عبر هذه البلدية، أهمها مركب سياحي يتربع  على مساحة 8.120 متر لإنجاز مرافق استقبال فندقي مختلفة بطاقة استيعاب تقدر بـ 319 سريرا موزعة على 93 غرفة.

وقد انطلقت أشغال مشروع المركب السياحي في إطار الاستثمار الخاص منذ سنة تقريبا بغلاف مالي يفوق 1 مليار دينار، ومن شأنه استحداث 87 منصب شغل بعد دخوله مرحلة الاستغلال، غير أنه يسجل وتيرة بطيئة للأشغال، حيث وجهت إعذارات لصاحب المشروع في هذا الإطار، حسب مديرية القطاع.

ويؤكد المتعاملون السياحيون محليا على القيمة التاريخية والسياحية للبلدة القديمة لتيوت، ويناشدون كافة الأطراف من أجل فتح مسلك سياحي عبر واحات النخيل بالمنطقة، فضلا عن إنشاء منطقة للتوسع السياحي ودعم إنشاء الوكالات السياحية بالجهة وتكوين شباب المنطقة في مهن تتعلق بالقطاع من أجل دعم المقصد السياحي بهذه الجهة من ولاية النعامة.

 

واحات مغرار جوهرة طبيعية وإرث بيئي مهدد بالإندثار

تشكل واحة مغرار من أشجار النخيل “ما يفوق 31 ألف نخلة منتجة” إحدى أجمل اللوحات البيئية بالولاية وبها وفرة الماء والتربة الخصبة والمناظر الخلابة التي تصنعها بناءات القصور القديمة والفقارات “أنظمة تقليدية لتقسيم المياه” ومحطات النقوش الصخرية بوسط هذه الفضاءات، إضافة إلى الأجواء المنعشة داخلها والتي تعد متنفسا للزائرين والسياح.

 

الواحات القديمة تبحث عن منقذ لتاريخها العريق

يرجع تاريخ إنشاء قصور واحات دائرة مغرار إلى حوالي القرن الثالث عشر للميلاد من طرف قبائل بن عامر، الذين استقدمهم الزيانيون للدفاع عن ممتلكاتهم بالمنطقة حسب الكاتب والمؤرخ خليفة بن عمارة من مدينة عين الصفراء.

ويواجه تاريخ المنطقة اليوم اندثار أجزاء كبيرة من القصور القديمة والشواهد المختلفة .كما أن سكانها اليوم يتطلعون إلى المزيد من الجهود لإعادة بعث زراعة النخيل بالمنطقة لضمان استقرارهم بها بعد أن هجر عدد كبير منهم بساتينهم بفعل الجفاف الذي مس المنطقة في العقود الأخيرة.

وعلاوة عن تدهور بعض أجزاء هذه الواحات بسبب انخفاض الموارد المائية والتوسع العمراني، فقد تم إتلاف نظامي الفقارات والخطارات التقليديين اللذين يخصان تنظيم عملية السقي ورفع المياه من الآبار الفلاحية التي تعرضت بدورها للإنسداد بسبب الأوحال والطمي والفيضانات المتعاقبة، كما يشير بحسرة شديدة عدد من سكان هذه المنطقة.

ويرجع تدهور بعض أجزاء هذه الواحات أيضا إلى بعض الأنشطة التقليدية المرتبطة بقطع أشجار النخيل والاستغلال المفرط للغطاء النباتي والحرائق أحيانا، إلى جانب رمي الفضلات وبقايا الأتربة الناتجة عن الأنشطة المتعلقة بقطاع البناء داخل محيط الواحة، كما أوضح من جهته الناشط الجمعوي وأحد السكان القدامى بقصر واحة مغرار التحتاني علالي علال.

 

قطاعات تدخلت لحماية الإرث البيئي وتنمية زراعة النخيل

وانطلاقا من الأهمية التي تكتسيها هذه المناطق ومن أجل إعادة الإشعاع لهذا الإرث البيئي والتاريخي لولاية النعامة، قامت عدة قطاعات في مقدمتها مديرية المصالح الفلاحية ومحافظة الغابات بعدة مبادرات منذ سنة 2006 إلى الآن من أجل حماية وتنمية زراعة النخيل بالجهة.

ويعتبر الجفاف وتراجع منسوب الآبار إلى جانب توحل وإنجراف التربة من العوامل التي أدت إلى تراجع منتوج التمور إلى مستويات متدنية في المواسم الفلاحية الأخيرة بهذه الواحات التي تكتسي قيمة اقتصادية وسياحية، مما جعل الجهود تنصب على إحياء سلسلة الآبار التي غطتها الرمال التي تتصل عبر قنوات أرضية ببئر رئيسية في مكان مرتفع ذات عمق أكبر وتدفق أقوى.

وأوعز التاج عفون وهو من قدامى سكان قرية سيدي إبراهيم بدائرة مغرار هذا التدهور لزراعة النخيل إلى تشكل سبخات أصبحت تزحف بالملوحة لتؤثر على خصوبة البساتين التي تمثل مصدر رزق رئيسي لسكان المنطقة، بالإضافة إلى غياب اليد العاملة وعزوف شباب المنطقة عن خدمة الأرض، مبررين ذلك بعدم مردوية هذا النشاط وصعوبته.

 

تدابير لتعويض النخيل المسن ومتحف إيكولوجي في الأفق

وتتضمن هذه البرامج بمشاركة المحافظة السامية لتطوير السهوب وقطاع الغابات وصندوق الدعم الفلاحي بالتنسيق مع المركز الوطني لتنمية الزراعات الصحراوية، وضع تدابير فعالة لحماية التوازن الإيكولوجي وتعبئة موارد السقي وإعادة الإعتبار للينابيع المائية وترميم السواقي عبر مناطق سلسلة الواحات الممتدة ما بين قرى دائرة مغرار ومحاربة الجفاف بالمناطق شبه القاحلة وتعويض النخيل الميت والمسن بفسائل جديد.

ويجري التفكير أيضا في استحداث متحف إيكولوجي داخل الواحات تسند له مهمة جمع أنشطة الفلاحين والجمعيات والنوادي والتعريف بها وعرضها للزوار لإطلاعهم على كيفية عنايتهم بأنظمة السقي والاستعمال الدائم لمصادر الماء مع بعث مشروع صغير لمشتلة تخص فسائل النخيل لأنواع التمور ذات الجودة العالية التي تتلاءم مع تربة ومناخ المنطقة كتمر أغراس والفقوس، كما أوضح رئيس بلدية مغرار بشير زياني.

 

مشروع لمواجهة التلوث البيئي بمحيط الواحات القديمة

لعل أهم مشروع أنجزه قطاع الموارد المائية لولاية النعامة للمساهمة في حماية البيئة بمنطقة الواحات لدائرة مغرار، هو إنجاز مصب رئيسي لتفريغ المياه القذرة بهضبة قلعة الشيخ بوعمامة بعدما كانت تتعرض الواحة للتلوث بتفريغ كميات هامة من المياه المستعملة بالقرب من أشجار النخيل. كما بادر القطاع ذاته ووفقا لدراسة أعدتها هيئة الرقابة التقنية لأشغال الري بعملية أخرى لتصحيح مجرى وادي مغرار الذي طالما تسبب في فيضانات أتلفت مئات أشجار النخيل وبساتين الفاكهة و الخضروات بمنطقة مغرار التحتاني والذي ساهم في التحكم في سيلان الأودية، و بالتالي الحد من هشاشة الأراضي المحيطة بالواحة.

 

توفير الكهرباء وموارد السقي ضمن أولويات إنقاذ واحات النخيل

تجري عبر الواحة القديمة بقرية الشيخ بوعمامة عملية ترميم من أجل إعادة الإعتبار لتقنية الفقارة التي تتيح توزيع عادل ودقيق للماء عبر قنوات أرضية، وهي الطريقة التي ساهمت منذ قرون في توسيع زراعة النخيل بالواحات والقصور، حيث ستمكن هذه العملية التي تسجل أشغالها تأخرا كبيرا نظرا لعدم كفاية الغلاف المالي المخصص لها، حسب مديرية المصالح الفلاحية، ترميم 500 متر طولي من السواقي التي تمونها عين سيدي بحوص التي يصل تدفقها إلى نحو 23 لترا في الثانية.

واستفادت واحات مغرار في السنوات الأخيرة أيضا من إيصال 8 كلم من شبكة الكهرباء وتوفير موارد الطاقة الشمسية لضخ المياه، إلى جانب فتح 6 كلم من المسالك وأشغال أخرى لإنجاز الأحواض عبر محيطات النخيل، كما ذكرت مديرية المصالح الفلاحية.

ويبقى اختيار أصناف أخرى من النخيل التي تقاوم مرض البوفروة والبيوض وتتميز بإنتاج ثمار ذات جودة عالية مع تحديد خصائص التربة المقاومة للطفيليات وغرس فسائل جديدة مع صيانة الرصيد المتوفر حاليا من أشجار النخيل بالواحات القديمة لولاية النعامة من العمليات المستعجلة الواجب تجسيدها لحماية هذا الإرث الحضاري والتاريخي الفريد الذي يساهم أيضا في الجذب السياحي.